على وقع أنغام عازف مبتدئ رمى كل ما علق بذهنه من أفكار باتت بنظره الآن بالية... وراح يجول في أرجاء المعمورة باحثاً عن حد لذاك المطمع الذي يؤجج ثورات ليس لها ند في جسده النحيل... كان يسير بجناحي طائر... دارت رحى الأيام بطيئة يصاحبه صوت مزعج كان يعكر صفو أحلامه، تلك التي رسمت اللهاث على شدقيه بعدما أتعبه الجري خلف سرابها.. كان يأمل بالجلوس على عرش السعادة وارتشاف أكسير الحياة؛ لينعم بنعيم زائل تراءى له الخلود عبر ستائره العجيبة... لكن ذاك الجسد المتضائل كان يتجرع الأسى كل مرة، ويسقي ورداً ذابلاً بماء لا حياة فيه. ذات مساء ألقى بجسده على حبات رمل، لم تجد ما تقي به نفسها من برد قارص... وسار بنظره على سطور رسمها قاص في رواية عكف على قراءتها... وفجأة استوقفته كلمات متخفية بزي غريب... رددها أربع بل خمس مرات، وها هو يرددها للمرة السادسة بصوت مرتفع... «إن قمة السعادة أن يكون الإنسان بلا مطمع دنيء». ومع انبثاق جديد لنور الشمس نفض عن جسده غبار زمن مضى.. وصرخ بملء إرادته: سأعيش اليوم بلا مطمع دنيء يشقيني... وارتسمت ابتسامة عريض على شفتيه.. وأحس بنبضات مختلفة قليلاً بين أضلعه.. واستنشق نكهة جديدة لهواء ليس بغريب عنه... وكانت السعادة العارمة عنوانه ذاك اليوم بعدما رمى عن كاهله طمعاً متجدداً طالما أشقاه... فهو اليوم حر... لم يعد عبداً للمال أو للجسد أو لأي شيء آخر لهث مراراً وراءه.