سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الخلل في النظام الصحي حال دون فعالية مراكز الرعاية الأولية.. والمواطن فقد الثقة بها! دعوا إلى تطبيق المنافسة بين المراكز دعما لأدائها.. أعضاء فريق «مبادرة ثقة» ل«الجزيرة»:
إعداد ومتابعة - محمد السلامة - رئيس القسم الاقتصادي / تصوير - التهامي عبد الرحيم: فيما يشهد الطلب على الخدمات الصحية في بلادنا تسارعا ملموسا مع زيادة السكان وتغير الأنماط المعيشية وما يرافقها من أمراض وحالات صحية متفاوتة الأثر والتأثير بين العدوى والأمراض المزمنة، تبرز الحاجة إلى إعادة رسم المسار الهيكلي التنظيمي لقطاع الرعاية الصحية الأولية عبر بوابة «طب الأسرة» بحسب ما أجمع عليه أطباء متخصصون ضمن مبادرة «ثقة» لتطوير نظام المراكز الصحية، التي ترمي في مجملها إلى تعزيز دور مراكز الرعاية الصحية الأولية وتحسين مستوى جودة عملها كخط دفاع صحي أول من شأنه تقليل الضغط على المستشفيات، وبالتالي توفير الجهد والوقت والمال في آن واحد، وذلك وفق نظام صحي متكامل يعتمد حماية المرضى من جهة وحفظ حقوق الأطباء المهنيين المتخصصين من جهة أخرى.. «الجزيرة» استضافت فريق المبادرة للحديث عن أبرز جوانبها والأسس الجوهرية التي تنطلق منها وصولا إلى الأهداف المتوخاة منها على المدى المتوسط والبعيد، حيث أشاروا إلى أن التردي في تقديم الخدمات الضرورية في مراكز الرعاية الصحية الأولية ناتج عن خلل في النظام الصحي القائم الذي يحول دون الاستفادة من الإمكانات المتوافرة لدى وزارة الصحة، ودون توزيعها توزيعا عادلا على المراكز المعتمدة، لافتين إلى ضرورة تعميق ونشر الوعي حول أهمية خدمات «طب الأسرة» كونها الأساس في نظام الرعاية الصحية الأولية.. فإلى الحوار: بداية تحدث الدكتور علي بن فارس العمري (استشاري طب الأسرة- قائد فريق المبادرة) عن تردي الخدمات بمراكز الرعاية الصحية الأولية، مستشهدا على ذلك بما جرى مع صديق له في بيشة ظهرت على والدته أعراض نقص حاد في هيموجلوبين الدم، وقال: لأنه يريد تقديم أفضل خدمة ممكنة لوالدته طلب استقدامها فورا إلى الرياض، غير أنه بمجرد وصولها احتار في الوجهة الصحيحة التي ينبغي له أن يعرض حالتها فيه، وبعد مشاورات قرر الذهاب بها إلى مستشفى خاص كلفه علاجها فيه لفترة أسبوع واحد فقط مبلغ 120 ألف ريال، وبعد الاستعانة بإخوته على سداد هذا المبلغ، الذي استنزف أسرته موارد كانت في حاجة إليها، اضطر إلى إخراجها من المستشفى والبحث عن العلاج في مستشفى حكومي تمكن من الوصول إليه بعد جهد جهيد. وفي هذا المستشفى الحكومي شخصت حالة المريضة بأنها تعاني من سرطان القولون وأن هذا المرض متكرر في التاريخ الطبي للأسرة. وتعليقا على هذه الواقعة أوضح الدكتور علي.....: أن هذه الأسرة ما كان لها أن تمر بهذه الدوامة من البحث والمعاناة وصرف الأموال، وما ترتب على ذلك من الضغوط الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، لو كان هناك نظام صحي متكامل يتيح عرض الحالات كافة لمراكز الرعاية الصحية الأولية في أنحاء المملكة كافة، ولو أن هذه الأسرة وجدت في منطقتها المركز الصحي التي يتابع حالة المريضة حسب التاريخ الصحي للأسرة ويوجه بعلاجها في أي مستشفى بيشة مثلا، أو إلى أي مستشفى آخر مناسب، إن لم يتوافر العلاج بالمركز، مؤكدا أن الأزمة التي عانت منها هذه الأسرة نموذج يتكرر يوميا في مراكز الرعاية الصحية الأولية بسبب ضعف الثقة في الخدمات التي تقدمها هذه المراكز. خلل في النظام الصحي القائم كما أشار الدكتور علي العمري إلى أن هذا التردي في تقديم الخدمات الضرورية ناتج عن خلل في النظام الصحي القائم يحول دون الاستفادة من الإمكانات المتوفرة لدى وزارة الصحة، أو دون توزيعها توزيعا عادلا على مراكز الرعاية الصحية المعتمدة، مدللا على ذلك بما وصل إليه الحال في بعض هذه المراكز، التي يعمل بها أطباء درسوا لسنوات طويلة ليجدوا أنفسهم إزاء أوضاع لا تسمح لهم بتقديم أبسط خدمات الرعاية الصحية، مثل إجراء الفحوص الأولية أو إنجاز التحويلات إلى المستويات الأعلى من الخدمة، بسبب ضعف قنوات الاتصال، ما أدى إلى عزوف الأطباء بصفة عامة عن العمل في هذه المراكز. وعبر الدكتور علي عن أسفه لوصول معاناة المواطنين في العديد من مراكز الرعاية الصحية إلى درجة عدم تمكنهم من الحصول على خدمات التطعيم على سبيل المثال، مشيرا إلى أن ذلك يعود لأسباب عدة، منها أن مراكز الرعاية الصحية الأولية في الكثير من الأحيان تتبنى أنظمة العمل التي تناسبها، متجاهلة بذلك دورها الأساس، وهو تقديم الخدمة التي يرضى عنها المواطن. وعن الأطباء المشاركين في المبادرة أكد الدكتور علي أن هؤلاء الأطباء كافة هم من رجال العمل الميداني الذين يؤلمهم ما يحدث أمام أعينهم يوميا من مآس، وما يلمسونه من الحيرة التي تنتاب مراجعي مراكز الرعاية الصحية الأولية عندما يصعب عليهم الحصول منها على الخدمات الضرورية التي يفترض أن تقدمها هذه المراكز، مشيرا إلى أن أفراد المبادرة على استعداد للعمل في أي منطقة من مناطق المملكة في حال وجود نظام صحي يعينهم على تقديم الخدمة الطبية التي ترضي المريض. حماية المريض وحفظ حق الطبيب وعن هذا النظام الذي يحلم به مقدمو المبادرة، أوضح الدكتور علي العمري أنه نظام يحمي المريض، ويحفظ حق الطبيب، ويكافئه إن أحسن، ولكنه يحاسبه أيضا إن أخطأ أو أهمل، ويضبط مهنية الأطباء والكوادر المعينة. هو نظام يعالج النظام القائم من منظور شامل، وليس من منظور أحادي يركز على جانب واحد أو أكثر من جوانب توفير خدمات الرعاية الصحية الأولية، مستدلا على ذلك بسلم الرواتب الجديد، الذي قال إنه خدم الطبيب ولكنه لم يخدم النظام الصحي، فمثل هذه المعالجات الجزئية هي التي قادتنا في اعتقاده إلى وضعنا الحالي الذي لا يرضي أيا ممن له علاقة بتقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية في بلادنا. وركز الدكتور علي في حديثه على النظام الصحي وأهميته، متجاوزا الحديث عن الأجهزة والمعدات، أو عن المبادرات والبرامج العالمية، التي قال إنها متوافرة لدى وزارة الصحة ولكن يعوق الاستفادة منها غياب التخطيط الصحي الذي يحسن استخدام هذه الموارد، ويوزعها بعدالة لخدمة المرضى، ويعين كلا من المريض والطبيب على نيل حقوقهما، كما يمكن المجتمع من نيل حقوقه، مشددا على أن ملاحظاته هذه لا تمس منسوبي وزارة الصحة ولا يقدح فيما يبذلونه من جهد، لأنهم في الواقع ضحية النظام الصحي القائم، ومؤكدا على أن المبادرة موجهة لإصلاح الخلل في النظام الصحي الحالي للمملكة، الذي يقدم خدمة الرعاية الصحية من خلال العديد من القطاعات، من بينها وزارة الصحة، التي تقدم خدمات الرعاية الصحية لنحو 60 بالمائة من سكان المملكة. ضرورة رفع مستوى وعي المواطن وعن دور المجتمع أشار الدكتور علي العمري إلى وجود مشكلة تتعلق برفع مستوى وعي المواطن، الذي يجب عليه أن يعلم أن المركز المتكامل الإمكانات يستطيع بكادره المؤهل، وبحكم قربه من المستفيدين من خدماته، توفير 95 بالمائة من احتياجات قريته من خدمات الرعاية الصحية الأولية، بينما تتحمل المستشفيات مسؤولية توفير ما تبقى من الخدمات، فالمجتمع جزء من المشكلة في نظره لأنه لا يطالب بتطوير نظام الرعاية الصحية الأولية، وعوضا عن ذلك يطالب ببناء المستشفيات مثلا، ويجبر المسؤولين على الاستجابة لمطالبات ليست في صالحهم، مثل المطالبة بمركز أسنان مثلا، أو تعيين اختصاصي في مجال معين، أو غير ذلك من المطالبات التي لا تفيد أهل قرية يعانون من تحديات صحية أخرى لا صلة لها بمثل هذه المطالبات، مشيرا إلى أن تصحيح مثل هذا المفهوم يتطلب إقرارنا جميعا بأن تحقيق ذلك كله يقع ضمن مسؤوليات المخطط الصحي الذي يقع على عاتقه مهمة وضع أسس خدمات الرعاية الصحية من الناحيتين الوقائية والعلاجية، كما يتطلب إقرارنا بأن تقديم الخدمات الصحية في الريف عبر مراكز الرعاية الصحية أفضل من بناء المستشفيات فيها، وذلك لأن بناء المستشفيات يتطلب دعمها بتخصصات دقيقة، مكلفة بطبيعتها، وغير مهمة لسكان الريف، ولذلك فإن المبادرة تطالب بإيقاف تعيين التخصصات الدقيقة في المناطق الريفية واستثمار ميزانياتها في دعم خدمات مراكز الرعاية الصحية الأولية. الشفافية في تطبيق اعتمادات الجودة وفيما يتعلق بتطبيق اعتمادات الجودة أبدى الدكتور علي العمري موافقته على أهمية تطبيقها شريطة اطلاع المجتمع على مدى الالتزام بالشفافية في تبني هذه الاعتمادات، مشيرا إلى أنه من حق المجتمع أن يعلم أن هناك ممارسات غير مهنية قد ترقى إلى مستوى التدني الأخلاقي في محاولات الحصول على هذه الاعتمادات دون وضع اعتبار لتقييم دورها في تحسين الخدمات. وعن الموارد المالية وتوفيرها أشار الدكتور علي إلى وجود هدر كبير للموارد لا يمكن تفاديه إلا في وجود نظام صحي تنافسي متكامل يراعى في تطبيقه معايير الجودة المعتمدة، ذلك لأنه في ظل وجود مثل هذا النظام يمكننا توفير الموارد بمعدل قد يصل إلى نصف حجم الموارد المخصصة حاليا لخدمات الرعاية الصحية، أو ما يعادل 30 مليار ريال سنويا، ما يعني أن وزارة الصحة قد تجد نفسها، بتطبيق هذا النظام، في حل من مطالبة الدولة بأي مخصصات إضافية مستقبلا، وقد نصل إلى مرحلة لا تدفع فيها الدولة أي موارد مالية لوزارة الصحة، غير أنه أشار إلى أن مثل هذا الطموح لا يمكن تحقيقه ما لم نضع في الاعتبار الأجيال القادمة، والمستقبل وتحدياته، عند وضع خطط وإستراتيجيات تقديم خدمات الرعاية الصحية. وشدد الدكتور علي على ضرورة الإقرار بوجود المشكلات القائمة، وتحري الصدق إزاء أنفسنا ومع قياداتنا لدى تشخيصنا لهذه المشكلات، باعتبار أن مثل هذا الإقرار جزء من الحل، وأن التباهي بالإنجازات والمشروعات، دون أن ينعكس ذلك على رضا المواطن، لن يقودنا إلا إلى المزيد من الانهيار. وفي هذا الإطار طالب الدكتور علي، الوزير الجديد وطاقم إدارة الوزارة باعتماد المواطن مؤشرا أول لنجاح أي نظام صحي، مضيفا أن وزارة الصحة سبق لها أن افتتحت بعض المستشفيات عدة مرات، مرة باعتبارها مدنا طبية، ومرة أخرى باعتبارها مستشفيات متفرقة، ومرة ثالثة باعتبارها مراكز متخصصة. مثل هذه الممارسات وغيرها هي التي قادتنا في اعتقاده إلى وضعنا الحالي وأن المخرج منها يبدأ بتطبيق نظام صحي جديد يحدث تغييرات جذرية في النظام القائم ويركز على محاور أساسية تطرقت لها المبادرة. هيئة مستقلة لإدارة المراكز وعن التأمين أوضح الدكتور علي العمري أن الأوان قد حان لكي نقر بأن الوضع الحالي، الذي يعتمد على تقديم الخدمة عبر شركات تبتلع نصف موارد التأمين وتعطي المستفيدين النصف الآخر وضع غير سليم ويجب تغييره، مؤكدا أن المبادرة تطالب بتجاوز هذا الإشكال بتحويل خدمة التأمين من أسلوب التأمين التجاري القائم حاليا إلى تأمين حكومي، مع ترك هامش للتأمين التجاري في شكل وضع مرحلي. واختتم الدكتور علي مداخلته بعدد من النقاط التي رأى أهمية العناية بها فيما يتعلق بتطبيق المبادرة، وهي: تكوين هيئة موحدة مستقلة تعهد إليها مسؤولية إدارة مراكز الرعاية الصحية الأولية كافة، وتؤول إليها ميزانيات قطاعات الرعاية الصحية كافة، وضع خطة مرحلية لتأهيل الكوادر الطبية لكي تكون قادرة على تحمل مسؤولية إدارة أعمال مراكز الرعاية الصحية الأولية، بحث تتحول هذه المراكز إلى مشروعات صحية يديرها أبناء الوطن تحت رقابة وزارة الصحة، تطبيق المبادرة وفق جدول زمني يبدأ بمنطقة واحدة ثم يتدرج منها إلى بقية المناطق، التركيز على تغيير النظام وعدم إضاعة الوقت في تغيير أوضاع المباني أو الأشخاص، تطبيق مبدأ الاستقلالية في إدارة مراكز الرعاية الصحية الأولية باعتبارها المنوط بحل معضلات التدريب والربط الإلكتروني وغيرها من المشكلات التي تعاني منها المراكز، تطبيق مفهوم التنافس بين مراكز الرعاية الصحية الأولية، وهو المفهوم الذي ترى المبادرة أنه سيشجع هذه المراكز على التنافس في مجالات تقديم الخدمات وتطبيق مفاهيم الجودة وربط أعمال المركز بكل من المراكز الأخرى والمستويات الأعلى من الخدمة والقطاع الإداري والبحثي والإعلامي بوزارة الصحة وغيرها من القطاعات. بدوره تناول الدكتور خالد العبدالكريم (استشاري طب الأسرة وأمراض السكري- عضو فريق المبادرة)، الأوضاع الراهنة في مراكز الرعاية الصحية الأولية قائلا: إن فقدان المواطن الثقة في الخدمات التي تقدمها هذه المراكز اضطره إلى التوجه نحو المستويات العليا من الخدمة مباشرة، ما أدى إلى حدوث تزاحم في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية المتخصصة، وتزايد تكلفة خدماتها. وأوضح الدكتور العبدالكريم أنه ما لم تتم معالجة أوضاع مراكز الرعاية الصحية الأولية فإن معاناة مراجعي هذه المراكز سوف تستمر، كما أن التزاحم الناتج في المستشفيات سوف يتفاقم، متسببا بذلك في حرمان المحتاجين إلى هذه الخدمات بالفعل. وأشار العبدالكريم إلى وجود هدر في الصرف على خدمات القطاع الخاص في الريف بسبب ضعف أداء هذا القطاع هناك، بينما تقدم المراكز التابعة لوزارة الدفاع والحرس الوطني وأرامكو خدماتها بالمستوى المطلوب، غير أن هذه المراكز قليلة وخدماتها موجهة في معظمها إلى منسوبي هذه القطاعات ولا يستفيد منها المواطن العادي. وإذا أضفنا إلى ذلك الوضع المتردي للمراكز التابعة لوزارة الصحة فإن الدكتور العبدالكريم يرى أن هذه الأوضاع مجتمعة أدت إلى حدوث مشكلات فيما يتعلق بصحة المجتمع بصفة عامة، ومن أمثلة ذلك تفشي بعض الأمراض المزمنة، مثل مرض السكر، وتزايد المضاعفات المترتبة على هذه الأمراض، في وقت كان بالإمكان تفادي مثل هذه الأوضاع بتفعيل دور مراكز وزارة الصحة في التثقيف والاكتشاف المبكر ورعاية الحالات المزمنة. طب الأسرة أساس نظام الرعاية الصحية الأولية وتحدث الدكتور خالد العبدالكريم عن طب الأسرة، قائلا: إن خدمات طب الأسرة هي الأساس في نظام الرعاية الصحية الأولية، وينبغي أن تتوافر للجميع في القرى والهجر والمدن، غير أن الواقع يشير إلى عدم توافر هذه الخدمات بالمستوى المرجو بسبب شح الإمكانات التي تعاني منها مراكز الرعاية الصحية الأولية، كما أن معظم العاملين في هذه المراكز أطباء عامون لا يستطيعون تقديم الكثير من الخدمات المطلوبة، مثل اكتشاف الحالات الخطيرة وعلاج المشكلات النفسية وربط المريض بأوضاعه الاجتماعية ومتابعة الحالات المزمنة، مثل السكر والربو وأمراض القلب وغيرها. وأكد العبدالكريم أن معالجة مثل هذه الأوضاع، وتحقيق نظام رعاية صحية متكامل، تتطلب تزويد مراكز الرعاية الصحية بالإمكانات اللازمة وتأهيل كوادرها، خاصة في ظل وجود عدد كبير من الخريجين، بصرف النظر عن تواجد هذه المراكز في المدن أو القرى. وأضاف العبدالكريم قائلا إن النجاح في وضع الحلول الناجعة لهذه المشكلات يتطلب منا النهوض بالنظام الصحي بجميع مستوياته، وتغيير آلية تعاملنا معه، وذلك لأن المواطن أصبح غير قادر على التجاوب مع النظام الحالي بسبب معاناته معه لسنوات طويلة، كما أننا جربنا التعامل مع القطاع الخاص في تقديم الخدمات الصحية وفشلنا في الوصول إلى المستوى المنشود. وأوضح العبدالكريم أن الأوضاع الحالية وصلت إلى درجة من السوء اضطر معها المواطن إلى البحث عن الطبيب الذي يعالجه بنفسه حيثما كان، مضيفا أن المخرج من هذه الأزمة يكمن في النظرة الشاملة التي تراعي جوانب تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية كافة، بما في ذلك جودة الرعاية الصحية وتأهيل الكوادر والمسوح السكانية والتطوير الإداري وتوفير المعدات والتأمين الطبي وربط الخدمات بالمراكز الأخرى وغيرها. تطوير الخدمة أولى مراحل علاج خلل النظام الصحي ومضى الدكتور خالد العبدالكريم قائلا: إن الدراسات أثبتت أن أكثر من 80 بالمائة من احتياجات الرعاية الصحية لأي مجتمع يمكن توفيرها على مستوى الرعاية الصحية الأولية، وذلك لأن هذا المستوى من الخدمة هو الذي يتلمس حاجة المريض عن قرب، ويسهل توصيل الخدمات العلاجية والوقائية لأفراد المجتمع، كما أنه غير مكلف، ولذلك فهو يرى ضرورة التركيز على تطوير هذا المستوى من الخدمة في المراحل الأولى من معالجة اختلالات النظام الصحي الحالي، ومن ثم يمكن الانتقال لعلاج أوضاع المستويات الأعلى ببناء مستشفيات مجتمعية لتنويم المرضى الذين يحتاجون رعاية خاصة. أما المستشفيات التي تعنى بالتخصصات الدقيقة فإنشاؤها غير مجز من حيث التكلفة حسب رؤيته، وكثرة مؤسساتها تتسبب في تبديد الجهود والأموال واستثارة مستوى غير شريف من التنافس ينتج عنه سحب الكوادر، كما هي الحال في النظام الحالي. وعن معضلة تفشي الوبائيات أوضح العبدالكريم أن مراكز الرعاية الصحية الأولية هي الجهة الوحيدة القادرة على رصد حالات تفشي مرض ما في أي منطقة من مناطق المملكة، لأنها أول من تنتبه إلى هذه الحالات، وتوجه إليها جهود الوقاية ووسائل المكافحة والبحث عن المسببات، فإذا افترضنا مثلا أن منطقة ما من مناطق المملكة تحتاج إلى توجيه العناية لمرض قلبي معين، أو لذوي الاحتياجات الخاصة بالمنطقة، فإن المعلومات الخاصة بمثل هذه الحالات لا يمكن التعرف عليها بدقة إلا من خلال التقارير والدراسات التي تخرج عن مراكز الرعاية الصحية الأولية، فمثل هذه التقارير والدراسات هي التي توجه مراكز صنع القرار إلى بناء مستشفى بمنطقة معينة أو مركز تخصصي بمنطقة أخرى، إذ لا يصح ترك مسألة اتخاذ مثل هذه القرارات إلى رغبات الناس أو التوزيع الجغرافي أو غير ذلك. نعول على دور ذوي الاختصاصات في تنفيذ المبادرة وخلص الدكتور خالد العبدالكريم إلى النقاط التالية التي رأى ضرورة الاعتناء بها عند تطبيق المبادرة، وهي: - توفير أطباء وطبيبات أسرة مؤهلين لكل مركز صحي ضمن خطة زمنية محددة، بتوجيه خريجي كليات الطب للانخراط ضمن نظام الرعاية الصحية الأولية، وفتح برامج زمالة في هذا المجال لملء الفراغ. - تعريف المجتمع بدور طبيب الأسرة في مجالات العلاج والوقاية والقيادة، ذلك لأن طبيب الأسرة هو قائد الفريق في مركز الرعاية الصحية الأولية، الذي يقدم خدماته من خلال هذا الفريق الذي يتكون من الممرضين والإداريين وغيرهم من الكوادر المعينة. ويتضح أهمية مثل هذه التوعية من حقيقة أن الكثيرين يعتقدون أن دور طبيب الأسرة لا يتجاوز تقديم خدمات الاستشارة الأسرية، كما أن بعضهم يخلطون بين طبيب الأسرة، الذي يحمل درجة الزمالة في مجال طب الأسرة، والطبيب العام، أي الطبيب المتخرج حديثا من كلية الطب، توفير التدريب لطبيب الأسرة لكي يؤدي مهمة قيادة فريقه بنجاح، وتدريب الكادر العامل معه أيضا، بحيث يكون أفراد الفريق جميعهم على أعلى درجات الكفاءة ويؤدي الفريق الدور المنوط بنجاح، تطوير آلية التواصل بين طبيب الأسرة والمستشفيات والجهات الإدارية العليا، إذ ليس في صالح العمل تعيين أطباء الأسرة في مختلف المراكز ومن ثم تركهم يواجهون بمفردهم التحديات الكثيرة التي تحيط بهم، وهو ما يحدث الآن في مراكز الرعاية الصحية ويتسبب في انصراف أطباء الأسرة عن العمل فيها، مفضلين على ذلك العمل في مراكز ومستشفيات الحرس الوطني أو وزارة الدفاع، والمبادرة مطروحة باعتبارها خارطة طريق ومخرجا من الأوضاع السيئة التي آلت إليها خدمات الرعاية الصحية بالبلاد، ونقدمها نحن الأطباء من منظورنا الطبي، وعليه يجب عدم إغفال دور الاقتصاديين والمشرعين وغيرهم من ذوي الاختصاصات ذات الصلة بتنفيذ المبادرة. تطوير الثقافة السائدة جزء من عوامل نجاح العمل وهنا تداخل الزميل سالم اليامي بقوله: إننا للأسف نهتم بالكم على حساب الكيف، ونحرص على إبراز عدد المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، دون إعطاء عناية لما يقدم فيها من خدمات. وتساءل عن أسباب عزوفنا عن محاكاة التجارب الناجحة التي يمكن أن تضعنا على الطريق الصحيح لكي ننطلق منها إلى آفاق أفضل، مؤكدا أن مستوى تقديم الخدمات التي توفرها مراكز الرعاية الصحية الأولية قبل عقدين من الزمان كان أفضل مما هو عليه الآن، ما يعني أننا نتراجع للخلف بدلا من التقدم للأمام، وهذا هو الأمر السلبي في آلية عمل المنظومة الصحية بشكل عام. وعبّر الزميل اليامي عن اعتقاده بأن تطبيق أي مشروع لتقديم الرعاية الصحية الأولية للمواطن، مع إغفال الثقافة السائدة، لن يكتب له النجاح، مشيرا إلى أن النظام الصحي المطبق في دولة مثل بريطانيا قد يكون ناجحا ضمن البيئة التي يطبق فيها هذا النظام، ولكن تطبيقها في بلادنا حرفيا قد لا يؤتي النتائج التي نأمل تحقيقها، وتساءل عن الكيفية التي عالجت بها المبادرة العديد من الإشكالات التي نعاني منها، مثل افتقارنا إلى ثقافة المشاركة في تقييم واقع الخدمات المقدمة عبر استطلاع الرأي أو حتى النقد الإعلامي المباشر والشفاف، وافتقارنا إلى ثقافة المشاركة فيما يتعلق بجوانب التنمية المحلية، بما في ذلك التنمية الصحية، وافتقارنا إلى ثقافة الانتماء للأحياء التي نعيش فيها، والمؤسسات التي نعمل بها، باعتبار أن مراكز الرعاية الصحية جزء من هذه المؤسسات. من جانبها، أشارت الدكتورة سامية الحبيب (استشارية طب الأسرة- عضو فريق المبادرة) في مستهل حديثها إلى أن النظام الصحي القائم يركز على الاستثمار في المستويات الأعلى من الخدمة الصحية ويهمل المستوى الأدنى، أي مراكز الرعاية الصحية الأولية، مؤكدة أن هذا الوضع غير السوي لتقديم الرعاية الصحية هو الذي حدا بها إلى المشاركة في مشروع المبادرة وحضور هذا المنتدى لتوضيح جوانب النقص في النظام القائم واقتراح المعالجات. وأوضحت الدكتورة سامية أن البحث عن مخرج من الأوضاع الحالية يتطلب الانطلاق من النماذج المجربة والناجحة في هذا المجال، مشيرة إلى أنها تلقت دراساتها العليا في بريطانيا ومكثت بها ست سنوات كانت فيها لصيقة بنظام تقديم الخدمات الصحية فيها. وتقدمت الدكتور سامية بشرح موجز عن كيفية عمل نظام تقديم الرعاية الصحية في بريطانيا، قائلة إن طبيب الأسرة في بريطانيا هو الذي يحدد ميزانية علاج الحالات التي تمر عليه، سواء على مستوى الرعاية الصحية الأولية أو المستويات العليا، وهو خط المواجهة الأول في معركة المريض مع المرض، كما أنه الوحيد الملم بالتاريخ المرضي للمريض ووضعه النفسي والاجتماعي. ولذلك فهي تطالب بتوعية المجتمع بأهمية هذا الدور الكبير الذي يؤديه طبيب الأسرة. ضرورة إشراك المريض في تقييم نوعية الخدمة وأوضحت الدكتورة سامية أن نظام الرعاية الصحية الأولية، كما هو مطبق في بريطانيا، يعطي المريض الحق في اختيار المركز الذي يناسبه والتقدم بشكوى ضد مركز معين، ولأن النظام بأكمله قائم على المنافسة فإن الميزانيات التي ترصد للمراكز تتوقف على مؤشرات الأداء، فكل مركز صحي يتمتع بميزانية سنوية تقدم للمركز بناء على نجاحه في تنفيذ المهام المناطة به، مثل تسجيل أفراد الحي كافة، وإجراء التطعيمات كافة، وإنجاز التشخيص الطبي لمراجعي المركز كافة، وغير ذلك من المهام. وتابعت الدكتورة سامية قائلة إن النظام الصحي في بريطانيا يفرض على أي مريض ألا يذهب إلى أي مستشفى إلا في الحالات الإسعافية، وفيما دون ذلك عليه يجب عليه أن يذهب إلى طبيب الحي، الذي يعرف التاريخ المرضي للمريض وبإمكانه التوجيه بتحويله إلى مستشفى معين إذا دعت الضرورة. وشددت الدكتورة سامية على ضرورة الاهتمام بالمريض وإشراكه في تقييم نوعية الخدمة المقدمة له، مشيرة إلى أن النظام الصحي في بريطانيا، على سبيل المثال، يمنح «تمكين» المريض أولوية قصوى، ويحاسب كل مركز عن خططه في التعرف على احتياجات المجتمع ومتابعة حالات المرضى ورفع الوعي الصحي لدى مراجعي المركز، ويمنح المركز الاعتماد المطلوب بموجب هذا التقييم، كل ذلك تحت مراقبة جهة حكومية مستقلة ترسل لجانا تتحرى مدى تجاوب أفراد المجتمع مع الخدمات الصحية التي يقدمها كل مركز، وتعتمد الجهات ذات الصلة على تقارير هذه اللجان في تحديد الميزانيات المقدمة للمراكز. فيما أكدت الدكتورة نورة الموسى (استشارية طب الأسرة- عضو فريق المبادرة) في مستهل حديثها أن التغيير في نظام الرعاية الصحية القائم يجب أن يكون جذريا، مشيرة إلى أننا في سبيل ذلك في حاجة ماسة لتطبيق الاعتمادات المحلية والدولية للجودة، التي يثور حولها الجدل بين من يرون أهميتها ومن ينظر إليها بعين الريبة والشك، وحيث إنها عملت في هذا المجال، وخبرت دروبه، فإنها أكدت أنها مع تطبيق هذه المعايير لأن التوجه نحو تحسين الكيف يتطلب التحرك بشكل منتظم، كما يتطلب وضع خطة زمنية وأهداف إستراتيجية، وكلها تخرج من رحم هذه المعايير الدولية، فلو أننا حرصنا على تطبيق بعض المعايير المحلية، مثل معيار سباهي، وتعهدناها بالرعاية، وعهدنا مهمة تطبيقها إلى كفاءات متخصصة لكنا الآن في وضع أفضل من حيث تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية، ذلك لأن هذه المعايير تتناول النظام الصحي باعتباره منظومة متكاملة. العلاقة بين القطاعات الصحية لا يحكمها نظام متكامل وأشارت الدكتورة نورة الموسى إلى أن العمل في الكثير من القطاعات الصحية تنقصها الخطط الإستراتيجية، وأن العلاقة بين القطاعات العاملة في الحقل الصحي لا تحكمها أسس تبنى وفق نظام متكامل، ما يعني أننا في حاجة ماسة إلى تطبيق الاعتمادات الدولية للرعاية الصحية، مثل معيار JCI وكذلك الاعتمادات المحلية، لكي ننهض بالوضع الصحي في بلادنا. وفي هذا الصدد، أشارت الدكتورة نورة إلى قرار مجلس الوزراء القاضي بإلزام المستشفيات كافة بتطبيق الاعتمادات المحلية والدولية كافة خلال خمس سنوات، حيث مضت السنوات الخمس منذ صدور هذا القرار دون تحقيق أي خطوات تذكر في هذا الاتجاه. وأكدت الدكتورة نورة انحيازها مع ضرورة تطبيق المعايير المحلية والدولية، رغم الانتقادات التي توجه إليها بأنها تتخذ وسيلة لتلميع المستشفيات ومراكز الخدمة، ذلك لأنه مع مرور الوقت سوف يتطور دور الرقابة على تطبيق هذه المعايير ويتحقق مستوى الجودة الذي نتطلع إليه جميعا. «الصحة» تخلت عن الدور الرقابي والتخطيطي وعن دور وزارة الصحة في تطبيق هذه المعايير أوضحت الدكتورة نورة الموسى أن دور وزارة الصحة يقتصر حاليا على التشغيل وحده، بينما هي تخلت في الواقع عن دور الرقابة والتخطيط. وشددت الدكتورة نورة على ضرورة تبني مفهوم التنافس بين مراكز خدمات الرعاية الصحية الأولية، وأن يكفل للمريض وأسرته حق اختيار المركز الصحي المناسب، مشيرة إلى أن مثل هذه المفاضلة لن يتم إلا في ظل وجود مؤشرات أداء تحكم عمل هذه المراكز، ولجان رقابية تقوم مقام وزارة الصحة، وبيئة تنافسية تضمن البقاء للمتميز، وكوادر مؤهلة تقدم الخدمة الطبية التي ترضي المريض، وموارد كافية تضمن تحقيق أهداف المركز، ونظام صحي يبنى على التخطيط وتحديد الأهداف.