صدر للدكتور فهد العرابي الحارثي، رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام كتاب وجوه وأمكنة/ بوح المكان .. وشاية الملامح. يضم الكتاب (22) مقالة ومقدمة وفهارس للأعلام والأمكنة في (452) صفحة من القطع المتوسط. تضمنت فصول الكتاب بعض العناوين الآتية: غنّوا لغير الحب، هاتوا السلاح، الخليفة.. وحاشيته وأتباعه. يشبّه الكاتب في مقدمته الفعل بالمخاض ورحلة الجنين إلى الدنيا، ف «الكتابة قد تخرج من الكاتب زاهية، مكتملة النمو، أو تكون خداجاً، هزيلة، مصابة بالأنيميا وفقر الدم. والكتابة إما أن تكون ولادة طبيعية سهلة و ميسرة، وإما أنها ولادة (قيصرية) صعبة ومعقدة، إذْ يحتاج الكاتب بعدها إلى نقاهة طويلة من الكلام». الكتاب يحوي مشاهدات أو «قراءات عابرة، في ملامح مدن، وقسمات أمكنة، نزورها، أو نقيم فيها»، كما يقول الكاتب، ويصف إصداره بأنه يحمل «تأوّلا لوجوه أناس يعترضون مسيرتنا في الحياة، نقابلهم صدفة أو عنوة، ويبقى منهم شيء فينا، وبالتأكيد يبقى فيهم شيء منّا. وقد نظن للوهلة الأولى أننا سنمضي، وستتلاشى بالتالي تلك الملامح للمدن التي زرناها أو أقمنا فيها، أو ربما ستختفي بدورها تلك السحنات والقسمات في الوجوه التي اعترضتنا أو نحن اعترضناها، لكن سطوة الكتابة تأبى في لحظة ما إلاّ أن تعيد كل شيء إلى مكانه، ولكن هذه المرة بطريقتها، فهي تعيد تركيب الأشياء (الملامح والوجوه) وفق تصورها هي، وليس بالضرورة «طبق الأصل» كما هي في الواقع». يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: «الكتابة هي التي تختار زمنها، فهي تداهم الكاتب في أي وقت، وفي أي مكان، والكاتب لا يستطيع أن يقاومها، أو يلغيها، أو يتمرد عليها، مهما تظاهر بغير ذلك، إنه يستطيع فقط أن يؤجلها، وهي في هذه الحالة ستظل «تهرشه» وتلح عليه إلى أن يخرجها من داخله، أو بتعبير آخر يتخلص منها. والفرق بين الكاتب وغيره (أيّ شخص آخر) هو أن كليهما عاينا المشاهد نفسها (الملامح والجوه) فالكاتب يملؤها بالحيوية والحركة، ومن ثم يودعها شيئاً منه، أي من ذاته ووجدانه، بينما الشخص الآخر، غير الكاتب، يتركها جامدة كما هي، فلا حراك، ولا استفزاز، ولا إغراء. كما أن الكاتب يشحن الملامح والوجوه بالايحاءات، ليتأولها الناس، فيعيدون بناءها بدورهم، كل بطريقته، ويتحقق لهم ذلك بفضل ما أودعته الكتابة فيها سلفاً من زخم، فيصبح المشهد الواحد هكذا مشاهد عدّة لا حصر لها، ويصير العالم الفريد عوالم كثيرة لا حدّ لها». ويؤكد المؤلف: «التجربة التي قمت بها في هذا الكتاب ليست جديدة، فكثيرين كتبوا مشاهداتهم وشهاداتهم ونشروها للناس، ولا أطمح إلى أكثر من أن أصطف إلى جوارهم بتجربتي المتواضعة. كثير من الناس رأوا مارأيت، وشاهدوا ما شاهدت، ولكن تبقى لكل منا قصته، أو روايته، أو طريقته في السرد، بعضكم سيجد فيما كتبت جديداً، وهذا هدف متقدم سأسعد به، وبعضكم لن يجد فيه أي جديد، فأكون، في أقل المستويات، قد دفعته إلى أن ينهض، فيعيش هو تجربته الخاصة من جديد. لا بد أن تتضمن الكتابة جزءاً قليلاً أو كثيراً من الكاتب، ولذا فأنا لا أنكر أنني موجود فيما ستقرأون هنا، بل إنني سعيد بذلك الوجود، وحريص على أن يغمرني بظلاله. ففي كل موضوع من موضوعات الكتاب ستجدون قطعة مني، ستكون حلوة مَرَّة، وَمَرَّة مالحة. مرة ستبعث على الأمل، وأخرى ستدفع إلى اليأس، مرة سأجدني أرى الأمور كماهي، ومرة سأراها كما أتمناها. مرة سأكون صلفاً مباشراً، ومرة سأصبح ناعماً حالماً، مرة سأقول الحقيقة كاملة، ومرة سأقول نصفها، لا بل إنني لن أقول في بعض الأحيان سوى ربع الحقيقة! أو أقل من ذلك بقليل». ثم يختم المؤلف مقدمته بالقول: «اسبحوا يا أصدقائي في فضاءات الأمكنة! وانعموا يا أحبتي باستنطاق الملامح، واستلهموا ما ستفضي لكم به من أسرار». ويرى الحارثي أن فكرة الكتاب مطروقة، ، في الوقت نفسه يؤكد أن التميز بين من كتبوا يكمن في الطريقة والأسلوب. كتاب وجوه للحارثي ينقلنا إلى عوالم متنوعة شديدة الغنى، وهو جدير بالقراءة.