قال معالي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد: «مع دورات الأفلاك وتقلبات الأيام ترتجف قلوب المؤمنين وتتسارع دقات أفئدة المخبتين، فالأعمار قصيرة مهما طالت، والأيام سريعة مهما أبطأت، الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة، فاستقبلوا المقبل، ولا يشغلكم المدبر، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، والكيّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني». وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بالمسجد الحرام: «إن محاسبة النفس هي ديدنُ العاملين المخلصين، ونهجُ عباد الله الصالحين، انظروا ماذا ادخرتم ليوم معادكم، وماذا قدمتم للعرض على ربكم فلله كم من الأعمار أمضيتم، وكم من الأحباب فقدتم، وكم من الأقارب دفنتم، وكم من عزيز في اللحود قد واريتم، عاجلتهم آجالهم، وقطع الموت آمالهم، ولعلَّ الله أن يثيبهم على صالح نياتهم، فإنما لكل امرئ ما نوى»: {وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.. فانووا الخير، واعقدوا العزم، واشحذوا الهمم تفتح لكم أبواب التوفيق. وبيَّن إمام وخطيب المسجد الحرام أن شهر رمضان شهر مبارك، شهر التاريخ والأمجاد والانتصارات، شهر فخر الأمة وعزها في بطولات قادها الأخيار في غزوة بدر، وفتح مكة، ونخوة المعتصم، ونصر صلاح الدين، في ذكريات وأمجاد تهتز لها القلوب بهجة، وترتفع بها النفوس عزة ومع استذكار هذه الذكريات، واسترجاع هذه الأمجاد. وعبّر معاليه عن أسفه لما تعيشه الأمة في بعض أقطارها ومواقعها من اضطراب وفتن، وقودها شباب استحوذت عليهم، فيها جماعات متطرفة ومجموعات إرهابية، بل مجموعات مشبوهة تعمل فيها أيدٍ أجنبية وتخطيطات خارجية، استمرأوا القتل واستحلوا الحرمات.. في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن بين يدي الساعة لهرجا، قال: قلت يا رسول الله ما الهرج؟ قال: القتل: وليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته.. فقال بعض القوم: ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم». وأوضح ابن حميد أنما ذهبت العقول في تلك الفتن لأنها تظن أنها تعلم وهي لا تعلم، وتظن أنها تصلح وهي تفسد، وتظن أنها تنصر دين الله وهي تنتصر لأنفسها وأشخاصها وعصبيتها، وتنتصر لمن أزَّها وخدعها أين العقول؟ فأي جهاد أو نصر في تفجير النفس في جموع المصلين داخل المساجد وهم يصلون صلاة الجمعة؟ أين هذا مع ما ورد من النهي في ديننا عن قتل الرهبان في كنائسهم، فكيف بقتل المصلين في المساجد وبيوت الله، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: «ومن دخل المسجد فهو آمن».. وقال: «نعوذ بالله من الفتن فإذا استُحلَّ الغدر بالمصلين في المساجد فماذا بقي؟ حرمات تنتهك بآراء كاسدة، وتأويلات فاسدة، وجهالات متراكمة بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتل من حلت دماؤهم من المنافقين الذين جادلوه في شرعه واتهموه في أمانته وعرضه قائلاً: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه»، ونعوذ بالله من زيغ القلوب، والقولِ عليه بلا علم.. وقد علم كل ذي عقل وبصر أن المستفيد من هذا كله هم أعداء الأمة، ومن يدفع هؤلاء ويؤزهم». وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام: «إن مما يشرح الصدر ويزيد الطمأنينة أن هذه البلاد الكريمة قد ابتليت بهذا النوع من المواجهات من قِبل تنظيم القاعدة وخاضت الدولة لعدة سنوات حرباً مفتوحة مع خلايا هذا التنظيم بكل توفيق واقتدار، من غير أن ينال ذلك من طمأنينة المواطن والمقيم، وأمنه، وتنميته، وتوفير العيش الكريم له، ولقد قال قائد هذه المعركة الباسل ولي العهد الأمين وزير الداخلية المسدد -حفظه الله ووفقه-: «إن المملكة واقفة بقوة ضد الإرهاب ولن تزعزعنا مثل هذه الحوادث, مررنا بحوادث أكبر والحمد لله، الوضع تحت السيطرة، وإن حدث شيء سنتعامل معه في حينه».