المزاوجة بين القراءة والوعي تستلزم قاعدة هامة وهي: أن كل قارئ واعٍ. والأمر ليس كذلك البتة. فالوعي هو آخر مراحل التحصيل الفكري. بحيث إن القراءة وحدها قد تكون مجرد علم بشيء وليس بالضرورة أن يكون هذا العلم تم استيعابه تماماً لأنه قد يتعرض للفهم الخاطئ. أو ربما اللافهم. لهذا يستلزم أن ترافق عملية القراءة الفهم. وهذا لا يتحصل إلا بالتجرد من الأفكار السابقة. هناك من يقرأ بطريقة أسميها «القارئ الآلي» على وزن «الطيار الآلي» بحيث يعتمد القارئ على برمجة مسبقة يتم من خلالها فهم الفكرة حسب أيديولوجيا أو فكرة مسبقة. لهذا قد يقرأ اثنان كتاب واحد وكل منهما يخرجان بنتائج متباينة. لأن كل منهما كان يقرأ بواسطة «القارئ الآلي». والقارئ الآلي انتقائي للغاية ومبرمج بحيث لا يرى إلا ما يوافق أفكاره. ويسير وفق منظومة نسقية تحدد له الأحكام والنتائج والخلاصة. لهذا أقول أنه ليس كل قارئ واعٍ. الوعي عملية معقدة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالواقع وإلا تصبح حالة وعي زائفة. ثم أن الوعي لا يمكن أن يتجرد من استغلال الحواس في إدراك المعرفة. ففي الوقت الذي تناقض الفكرة الواقع تكون قد ابتعدت عن مدى الوعي. ثم أن هناك لازمة من لوازم القراءة لا يُستدعي الوعي إلا بها وهي التنوع وعدم الاقتصار على بُعد واحد وترك بقية الأبعاد دون اطلاع ودراية. لهذا يقول لك أحدهم اطلعت على فكر التنويريين مثلا، ولكنه قرأه من وجهة نظر خصومهم من التقليديين. الوعي الحقيقي لا يمكن بلوغه دون نفض الخبرات السابقة وإعادة ترتيب المفاهيم والأفكار وفق العقل والمنطق وليس وفق قناعات مسبقة. في 23 إبريل يصادف اليوم العالمي للكتاب. وهي فرصة سانحة للتركيز على ماهية الكتاب وليس تصنيفه وعدد الكتب. فما أكثر القُرّاء وأقل الواعين. وهي فرصة أيضا لغرس قيمة القراءة لدى الطفل في زمن اجتياح الميديا وألعاب الفيديو. ماذا لو كانت لدينا مبادرات فردية لتبادل الكتب في هذه اليوم؟ تزكية الكتاب بأن تهديه صديقاً لك. ومن ثم تدويره ليكسب المزيد من القراءة. ويضمن تشارك الكتب تنوع المصادر لدى القارئ فيتسنى له الإطلالة من شرفات الآخرين ويكتسب بُعدا آخر في ثقافته.