صناعة الوعي تبدأ من القراءة التي لها دورٌ فعّال في حث العقل على التفكير،وتدبّر الأمور وتمحيص الأحداث، وهي قادرة على بعث الناقد المدفون في لجّة أعماقك ربما ماكنت تشعر به. لأن القراءة تُنير عقلك وتفتح آفاقًا جديدة لك،يصعد من خلالها فكرك ليبلغ مراتبًا تؤهلك لفهم الحياة والناس بشكلٍ أفضل..تفهم الحياة من خلال تزويدك بتصورٍ معقولٍ عن مالك وماعليك ،وكيف تأخذ ماهو لك وكيف تعطي ماهو واجبٌ عليك عطاؤه،كيف تفرّق بين مصطلحاتها التي تتشابك مع بعضها ويختلط حابلها بنابلها.وتفهم الناس من خلال منحك صورة انطباعيّة عنهم وعن دوافع سلوكهم ،من ما يجعلك أكثر تقبّلًا وتفهمًا لأفعالهم،إن لم تكن مُساهمًا في تقديم العون لهم. وفي هذا الوقت الذي نشطت فيه حركة الكتب من الاجحاف القول بأن: «أمة اقرأ لا تقرأ»..هي تقرأ لكن مايروق لها،وهذا هو خطأها لأن مايروق لها لا يعوّل عليه لبناء وعي ذا قيمة تُذكر ،بالإضافة إلى أن ماتقرأه لا يعني الثقافة والمعرفة ولا يشد من عزمها بل قد يقيّدها بالتخلّف. التنوع في القراءة يهبك متعة جديدة مع كل قراءة ،ويجعلك على علمٍ ودراية بما يدور حولك ،يؤهلك للتعاطي مع الموضوعيّة،وتفهّم معنى الحياديّة .الانكفاء على قراءة الروايات أو اطلاعك على السياسة فقط لا يصنع منك شخصية اجتماعية واعية.وليس المطلوب منك أن تقرأ في كل الفنون والعلوم ،اقرأ ماتحبه ،وتخير من بقية الكتب مايجعلك ملمًا بما حولك،ولك في العقاد أسوة حسنة فهو لا يحمل إلّا شهادة الإبتدائي لكنه على ثقافة واسعة كان يُقارع بها أصحاب الشهادات العُليا. إذا كانت القراءة من المهارات الأساسية التي تُركّز عليها النُظم الحديثة فعلى التعليم أن يولّيها اهتمامه ويحث الطلّاب عليها من خلال ورش العمل لمناقشة محاور مجموعة من الكتب ،وأيضًا من خلال المسابقات التي تُعنى بجوائز قيّمة لأفضل قارئ وأفضل مؤلف.وكذلك على الأسرة أن تهتم بهذا الجانب وتساهم في صناعة الوعي وتحث عليه من خلال انشاء مكتبة صغيرة خاصة بالطفل تُشعره بأهميته كقارئ،أو من خلال الأجهزة الذكيّة _التي يُبدع في فك رموز ألعابها _ليقرأ قصة توسّع خياله وتنمّي قدراته،فيكبر ويكبر معه حب القراءة والاطلاع بدلًا من أن يجد نفسه فجأة مجبرًا على القراءة.