استأنف المشاركون في الدورة ال22 للمجمع الفقهي الإسلامي جلستهم الرابعة أمس بمقر الرابطة بمكةالمكرمة. وقد عُقدت الجلسة برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي ورئيس مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بحضور معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام للرابطة، وفضيلة الدكتور صالح بن زابن المرزوقي الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي، وأعضاء المجمع المشاركين في هده الدورة. وتمت في الجلسة مناقشة الموضوع الرابع من موضوعات الدورة، وعنوانه «إيقاف العلاج عن المريض الميئوس من برئه». وقد تحدث في هذا الموضوع كل من معالي الدكتور تور الدين الخادمي وفضيلة الشيخ عبد الله الجبرين وفضيلة الدكتور عبد الله الجبوري والدكتور أحمد جاب الله والدكتور محمد علي البار وفضيلة والدكتور منظور الأزهري. أما مقرر الجلسة فهو الدكتور إبراهيم البشر. واستعرض هذا البحث موضوع التداوي قرب نهاية الحياة وأحكام التداوي والموقف الطبي من قضية الإنعاش القلبي الرئوي واستخدام الأجهزة ومتى يحق للأطباء أن يتوقفوا عن استخدامها, ومتى يمكن إيقافها (حالات موت الدماغ)، وكيف أن ذلك التداوي المفروض أحياناً على الأطباء أن يقوموا به إنما هو عبث ولا فائدة منه futility، وهو منهي عنه شرعاً. ولكنهم يضطرون لذلك خوفاً من المحاكمة والمساءلة, ولأن وزارات الصحة لم تدعم الفتاوى بقرارات واضحة. ولهذا يستمر معظم الأطباء في استخدام الأجهزة رغم اقتناعهم التام بعدم جدواها، ويعرضون المصابين والمرضى لزيادة آلامهم, كما يعاني الأهل من ذلك، وتزداد الكلفة إلى آلاف الملايين من الدولارات سنوياً بسبب هذه العلاجات والأجهزة التي لا فائدة من استخدامها في مثل هذه الحالات, وفي الوقت نفس تحرم العديد من المرضى الذين يستحقونها فيحرمون منها ويلاقون حتفهم نتيجة عدم استخدامها. وهذا أمر خطير مخالف للعقل والدين معاً، وقد يصل المريض إلى وحدة العناية المركزة من شدة المرض، ويجعلون له أجهزة الإنعاش الرئوي والقلبي نظراً لخطورة الحالة، وقد يجدي هذا الإنعاش في إنقاذ حياة الإنسان، وقد لا يجدي إذا تفاقم الأمر وعجز الأطباء عن فعل أي سعي مزيد, وقد يموت جذع الدماغ نهائياً مع أن التنفس جار والقلب يتحرك بفضل أجهزة الإنعاش، وفي هذه الحالة يقرر الأطباء إيقاف الإنعاش والعلاج الطبي للمريض لظهور عدم جدواهما؛ الأمر الذي يجعل الحليم حيران لأسباب عدة, منها: وقوع أهل المريض في الحرج، وهم يأملون شفاء ذويهم أو استمرار العلاج حتى يأتي قدر الله تعالى، والتكاليف الباهظة في المستشفيات الخاصة بالذات، التي قد تؤدي بأهل المريض إلى الاستدانة الهائلة، واحتياج إدارة المستشفى إلى تخلية المكان للمرضى الجدد الذين قد يكونون أحوج إلى العلاج السريع لإنقاذ حياتهم بتعويض الفشل العارض في بعض الأعضاء، أو إرجاع النشاط الزائل إليها، أو دفع المضرة اللاحقة، أو تزويد الجسد بالمساعدات الطبية المؤقتة العاجلة لإعادة نظامه إلى مساره المعتاد. ولا شك أن احترام البشر وإمداده واجب في حالة الصحة والمرض، ولكن إذا ثبت عدم جدوى العلاج المزيد فليكن الصبر والرضا نصب عين الإنسان المؤمن، وقد أُمرنا بأن نستعين بالصبر والصلاة في حالة المشكلة، سواء كانت في صورة المرض أو غير ذلك. والقول النهائي في موضوع إيقاف العلاج من عدمه هو قول الطبيب التقي الأمين. وتوصل الباحثون إلى أن احترام البشر وإمداده واجب في حالة الصحة والمرض، ولكن إذا ثبت عدم جدوى العلاج المزيد فليكن الصبر والرضا نصب عين الإنسان المؤمن، وقد أُمرنا بأن نستعين بالصبر والصلاة في حالة المشكلة، سواء كانت في صورة المرض أو غير ذلك. والقول النهائي في موضوع إيقاف العلاج من عدمه هو قول الطبيب التقي الأمين. ونخلص إلى القول بأنّ الحكم الشرعي حول موضوع إيقاف العلاج من المريض الذي لا يُرجى برؤه يتمحور في ثلاثة محاور: أولها: الحكم الشرعي للتداوي. الثاني: الحكم على المريض. الثالث: الحكم للطبيب. ونرجو الله تعالى أن يخرج المجمع الفقهي الموقر بقرار صائب شامل حول هذا الموضوع المهم. أما ما يراه علماؤنا الكرام من الحكم الشرعي للتداوي فهو الإباحة عند جمهور الفقهاء، ومنهم الإمام مالك - رحمه الله -, والاستحباب حسبما يراه الشافعية, ولا يصح أن يعتبر التداوي خلاف التوكّل على الله, بل هو المسير من قدر الله إلى قدر الله تعالى. والحكم الشرعي للمريض وأهله أنّ من حق المريض التداوي أو تركه حسبما يراه مناسباً هو وأهله دون إهمال أو حرج. وعلى الطبيب أن يراقب الله تعالى في عملية إيقاف العلاج من المريض الذي لا يرجى برؤه من مرض عضال, فيحاول قدر جهده إنقاذه من المصيبة مراعياً حق الله تعالى وحق المريض وحق المرضى الآخرين حتى يتخذ قراره في إيقاف علاج المريض من عدمه على ما يرضي الله عزّ وجلّ, فلا يستعجل في الأمر، ولا يباطئ، بل يسبر غوره جيّداً حتى يتم على يديه ما فيه خير للمريض وأهله والمجتمع كلّه.