ليس هناك أشد ألماً على النفس من أن تتلقى نبأ وفاة صديق عزيز عليك، خاصة إذا كنت عاشرت هذا الصديق والأخ والأب الحنون أياماً وليالي منذ الصبا، وبقي وفيًّا صادقاً لهذه الصداقة الحميمة إلى آخر لحظة من حياته.. صباح الثلاثاء مُرّ في فمي، تتدحرج الذكرى بين زوايا العتمة، وخواطر البوح، وتباريح السفر.. لا الدمع يكفكف آلام الرحيل، ولا الوجع الضارب في أعماق النفس يخفف لوعة الفقد، ولا التوقف عند محطات الرفاق يجلب شيئاً من السلوى. للموت جلال أيها الراحلون، ولنا من بعدكم انتظار.. قد انتقل إلى جوار ربه الحبيب رفيق الدرب فرحان العقيل. وهذا الخبر ما كنت أتوقعه يوماً من الأيام بهذه السرعة الجنونية والقاتلة، فمهما كتبت ومهما فعلت ومهما بكيت عليك يا أبا فهد لن أوفيك حقك يا غالي في محطات قد تطول وقد تقصر، وقد ترهق وقد تصفو.. وقد لا يدرك من لا يعرفك أي صديق أرثي اليوم، ومن يعرفك حق المعرفة هم أصدقاؤك ومعارفك ومحبوك. وأنا حتى اللحظة لم أكتب رثاء في صديق، وإنما كنت أرثي الأحياء قبل الأموات، والباقين عوضاً عن الراحلين. لقد أثارت فاجعة رحيلك ومفاجأتها غصة في الحلق، وانحساراً لمدد الرفقة الجميلة، وانطفاء لومضة نبل إنساني.. وإذا اجتمع في المرء النبل وحب الخير وكرامة النفس والوقوف عند الحق فقد ترك الدنيا وهي أحسن مما وجدها.. وفي هذا عزاء لنا وأي عزاء. وأشهد الله أن الصديق فرحان فهد العقيل ترك الدنيا أحسن مما وجدها، فلم تكن حاجتنا وضعف حيلتنا في بعض محطات الحياة وصروف الإنهاك التي مررنا بها أو مرت به إلا دافعاً جميلاً لصنع الخير عندما أدركته الدنيا.. وإن فيه خصلتين، أقدرهما أيما تقدير: كرامة النفس، ونُبل المقصد. أيها الصديق العزيز.. نم قرير العين، لقد واجهت كثيراً من شرور هذه الدنيا الفانية ومساوئ هذا الزمن وتحديات الحياة.. لقد فاجأتنا برحيلك بلا وداع، وستبقى حيًّا في قلوبنا نحن أحباءك ما دمنا أحياء، فأنت غالٍ، وتبقى غالياً في قلبي وقلوب أحبائك يا عزيزي. رحمك الله أبا فهد.