بعد المحادثات التي استمرت حوالي ثلاثة أشهر بين إيران ودوّل 5+1 كنت أراقب الموقف التركي، فالأتراك يمكن أن يمثلوا دول الجوار وتعنيهم النتائج مباشرة وتعطي مؤشرا حقيقيا على نسبة النجاح، تركيا التي اكتشفت أن القوي من يتربع في نادي العشرين وليس الذي يحاول صناعة القنابل النووية، تركيا القوة الاقتصادية المتنامية والمؤثرة في المنطقة. أتصور أن رأيها في المحادثات مهم جدا. لم يتأخر الأتراك كثيرا في إعلان دعمهم للإطار التي انتهت إليه المحادثات بدون تحفظ، الموقف التركي يؤخذ على أنه نجاح للدول الست في تكبيل إيران، هذه تركيا ولكن ماذا عن إيران. مشكلة الملالي في إيران أنهم لا يزالون يعتقدون أن القوة العسكرية تحقق لهم المصالح الاقتصادية لذلك يحرقون موارد إيران في محرقة صبيانية عبثية لا طائل من ورائها وهذا فكر انقلب عليه الزمن فالقوة العسكرية قوة ردع لتأمين النجاح والاستقرار للحراك الاقتصادي، الصين اليوم تجتاح العالم دون إطلاق طلقة واحدة، وشركة أبل لا تنام من هذا الكوري المزعج والمارد الهندي يقول إن أي اعتداء إيراني على الإمارات سوف يدفع الهند للتدخل إنه اقتصاد في اقتصاد. رضخت إيران لشروط قاسية ومراقبة دقيقة لبرنامجها النووي ليس لأنها تريد ولكن العقوبات الاقتصادية على الرجل الإيراني المريض كانت موجعة إنه الاقتصاد. كنت أتابع أفراح الإيرانيين بالتوقيع على الاتفاق الذي لا بد منه، وأنا واثق أن فرحهم لَيْس لما وصل له ظريف فلم أرى ظريف بائساً كما رأيته يتحدث بعد المتحدثة باسم الاتحاد الأوربي وبالذات عندنا قال ليس هناك شيء أقوله بعد ما ذكرته، ولكن الإيرانيين يعبرون عن فرحهم بقرب رفع العقوبات الاقتصادية التي أثقلتهم، هؤلاء الجماهير مثلي لا يفهمون في الأمور التقنية المعقدة ولا يعرفون ما هو الماء الثقيل ولا أجهزة الطرد المركزي ولكنهم يستوعبون أن التومان الإيراني فقد أكثر من 40 في المائة من قيمته خلال عام وأن الغلاء الفاحش مع قلة الموارد جعل حلم الإيراني أن يجد له قاربا ينقله إلى أستراليا أو طائرة يتعلق بها إلى كندا أو فرصة عمل على الشاطئ المقابل للخليج، وألا يمر على بعض الموظفين ثلاثة أشهر دون استلام رواتبهم، يعلم أن الزعفران والفستق والكافيار الفاخر يذهب لدول الضفة الأخرى للخليج دون أن يحلم أن يزين بها مائدته، هذا يفهمه جدا المواطن الإيراني البسيط الذي خرج أمس فرحا بحلم رفع العقوبات. الملالي يوزعون موارد إيران الشحيحة على غلمان نصر الله وعبدالملك الحوثي وعلى عصابات الحشد الشعبي في العراق وعلى قطعان علي سلمان في البحرين. وللمقارنة حكام وإعلام كوريا الشمالية في حالة تشنج دائم ولكنهم يعرفون حدودهم مع أنهم يملكون ترسانة مرعبة من الأسلحة وعلى رأسها القوة النووية والصواريخ العابرة للقارات وفي قصة لا تخلو من الطرافة أصيبوا بحالة من الهيجان نتيجة لقيام شركة سوني بيكتشرز الأمريكية العملاقة بإنتاج فيلم (المقابلة) الذي يُصور في قالب كوميدي محاولة الاستخبارات الأمريكية قتل الرئيس كيم يونغ اون واعتبرته حكومة بيونغ يانغ عملا عدائيا وطالبت بحظره، ولكنها لم تقم بإرسال عصائب الباطل لإحراق القليل من دور السينما التي عرضته أو ترسل انتحاريا لتفجير مقر شركة سوني، بل أرسلت صاروخا إلكترونيا عابرا للقارات دمر موقع شركة سوني واستولى على إيميل الشركة وفضح أسرارها وأسرار نجومها حتى وصل الأمر بالرئيس أوباما للقول إن العملية تجاوزت الحد وانتهى الأمر بعقوبات اقتصادية متواضعة. لو انشغل الإيرانيون بالبحث بالطرق السلمية عن طريقة للتسرب إلى أسواق الخليج وتبادل المصالح وتناول جزء من كعكة التنمية الهائلة التي قامت ولا تزال في دول الخليج ما احتاجوا للركوع تحت أقدام الدول العظمى لرفع العقوبات، وما كان هذا حالهم ولا حال الشعب الإيراني الذي يعيش أكثر من 40 في المائة منه تحت خط الفقر. لو نبذ الإيرانيون العنف ونزلوا إلى أرض الواقع وتركوا الخيالات المريضة والعنتريات الفارغة لما هم يقيمون الأفراح لمجرد احتمال رفع العقوبات.