تعتمد المملكة على استيراد السلع المصنوعة والخدمات من الخارج بشكل كبير جداً، فقد بلغت قيمة واردات المملكة خلال العام الماضي أكثر من 650 مليار ريال وقد كانت فقط 156 مليار ريال قبل 10 سنوات. هذه الواردات هي فرص وظيفية ضائعة على أبناء وبنات الوطن، بل أنها خلق للفرص الوظيفية في دول أخرى. نحن نطمح ليس فقط بالاكتفاء الذاتي والاستغناء عن الواردات، بل نطمح للتصدير ولكي يعود على المملكة عوائد من الخارج مقابل منتجات وخدمات يقدمها أبناء الوطن والذي من المفترض أن يساهموا في تطوير البلد تنموياً واقتصادياً لكي تستطيع المملكة منافسة الدول المتقدمة. مشكلة الوظائف في المملكة أنها متدنية وهي أسوأ من البطالة وهي أيضاً تساهم في البطالة، فلو كان في البلد صناعات وخدمات تكنولوجية متقدمة لساهمت في خلق فرص وظيفية أخرى. المملكة في حيرة من أمرها، القطاع الخاص لا يريد ولا يستطيع القيام بالصناعات المتقدمة والتكنولوجية والخدمات الدقيقة، وغياب تام لتطوير هذا القطاع من قبل الوزارات والهيئات المعنية (التخطيط والاقتصاد، التجارة والصناعة، الاتصالات وتقنية المعلومات، الصحة، المالية، البلدية). العمل لأي دولة على «البحوث والتطوير» يدل على صناعات وخدمات ومخرجات تلك الدولة، وهذه الأعمال تدل على وجود بطالة من عدمها. عندما نعلم أن صادرات «تايلند» السنوية أكثر من 800 مليار ريال مع أنه ليس لديهم نفط، وهذه يعادل 80% من صادرات المملكة النفطية عندما كان النفط بسعر 100 دولار، وعدد سكانها 68 مليون نسمة، ومنها 40 مليون شخص داخل سوق العمل منهم فقط بطالة أقل من 1 في المئة. تايلند تعتمد على الصناعات المتوسطة في تصنع السيارات بأعداد تساوي نصف صناعات ألمانيا وكوريا الجنوبية وربع صناعة السيارات في أمريكا واليابان، وأيضاً تصنع وتصدر المكيفات والثلاجات وكثير من المعدات والأجهزة، تجزم أنه لا يوجد لديهم بطالة بمجرد معرفة منتجاتهم. المعيشة في المملكة ليست رخيصة على المواطن، وهذا يتوجب إيجاد وظائف برواتب عالية، وليس رفع رواتب وظائف رخيصة. فحسب الإحصائيات الأخيرة لوزارة العمل ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات فإن بالمملكة 11.7 مليون موظف وعامل (8.2 مليون منهم غير سعوديين)، ومتوسط الراتب الشهري للموظف والعامل 2700 ريال، وعند مقارنتها باليابان فإن متوسط الراتب الشهري 9100 ريال شهري، وكذلك ألمانيا والولايات المتحدة بمتوسط رواتب 16500 ريال و 17500 ريال، هذا يدل على أن الوظائف بالمملكة دون مخرجات تدر على الدولة بالعوائد. ألمانيا لديها نموذج ممتاز، فهي تخصصت في تصدير الصناعات المتقدمة وهذا يخلق فرص وظيفية لمواطنيها برواتب عالية، فصادرات السيارات الألمانية (بقيمة 150 مليار دولار) قيمتها تعادل مجموع قيمة صادرات السيارات في أمريكا واليابان معاً وهذه القيمة تعادل أيضاً عوائد النفط السعودي المتوقع لهذا العام. النموذج الألماني يعمل على جميع أبعاد كل القطاعات، ففي قطاع صناعة السيارات يعمل بها 756 ألف شخص لإنتاج 5 مليون ونصف سيارة، وعوائد هذه السيارات 360 مليار يورو (أي ما يعادل تريليون ونصف ريال) ويصدر منها ما قيمته 560 مليار ريال للخارج، وتعتمد السيارات الألمانية على أعلى التقنيات حيث تصرف الشركات الألمانية على البحوث والتطوير في قطاع صناعة السيارات 27 مليار يورو (109 مليار ريال) سنوياً ويعمل على تلك البحوث موظفون عددهم 93 ألف ويتقدمون على الحصول على 10 براءات اختراع يومياً. هذا النموذج يخلق الفرص الوظيفية. النموذج الألماني متقدم في الخدمات الصحية والطبية وصناعاتها، فيعمل 5.2 مليون شخص في ألمانيا في الخدمات الطبية والصحية والتي مجموع إيراداتها سنوياً 300 يورو (تريليون و 200 مليار ريال). من هؤلاء، 357 ألف طبيب أي (طبيب لكل 230 نسمة) وهو رقم عالي جداً فلو قارناه بالمملكة العربية السعودية والتي بها (طبيب لكل 432 نسمة) فتكون النسبة في ألمانيا الضعف تقريباً فيقدمون السياحة الطبية يأتيهم مرضى من خارج البلاد بشكل كبير. أما في الصناعات الطبية المتقدمة مثل أشعة أكس وألترا ساوند وغيرها من الأشعة المتقدمة، فتبلغ إيرادات الشركات الألمانية بهذا القطاع 23 مليار يورو سنوياً (93 مليار ريال)، ويصدر لخارج ألمانيا 68 في المئة من تلك الصناعات. أما صناعة الأدوية فتبلغ إيراداتها 167 مليار يورو (677 مليار ريال)، والصادرات لخارج البلاد 85 في المئة من ذلك، ويعمل عليها 434 ألف شخص. هذا النموذج يخلق الفرص الوظيفية. وفي قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، تبلغ إيرادات الشركات الألمانية 228 مليار يورو سنوياً (923 مليار ريال)، و 13 في المئة منها من الصادرات لخارج ألمانيا، أي ما قيمته 120 مليار ريال. هذا النموذج يخلق ا لفرص الوظيفية. هكذا تبنى الوظائف والفرص الوظيفية وتطوير الاقتصاد، فالمسألة للمكة العربية السعودية ليس فقط التخلص من البطالة كيفما اتفق، هذا مضر بالوطن والمجتمع والاقتصاد والأمن، ومتى ما أرادت المملكة المضي قدماً فالمجال لازال متاح ولكن التأخير صعب جداً فالمنافسة شرسة في الأسواق الدولية، ولكن المال والعقول تصنع المستحيلات.