رحل عن دنيانا رجل عفوي بسيط جسد البساطة بكل معانيها إنه ابن العم عبدالله بن سليمان النهابي -رحمه الله وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- رحل عنها ولم يكن له فيها مطمع في مكانة أو وجاهة، بل عاش في ظلها بعيداً عن زخارفها وملذاتها وقد كان يعمل في حياته في الخضار يستمتع مع صحبه ومعارفه في بيعها وشرائها وقد أحبه أهل السوق لبساطته وعفويته وكريم أخلاقه يحبونه لنزاهة ضميره في البيع والشراء، ولما تقدَّمت به السن (حيث تجاوز الثمانين عاماً) وصار غير قادر على الذهاب للسوق بقي في مسكن أخيه في شارع الشريمية، حيث يسكن معه وقد اعتنى به أخوه كثيراً من بداية حياته وفي كبره حتى ودع الدنيا، وعندما غاب عن سوق البيع والشراء افتقده محبوه، حيث غاب صوته الشجي الذي كان يعتلي السوق منادياً بأنواع الخضار والفواكه التي يبيعها. رحمك الله أبا سليمان فقد رحلت تاركاً فراغاً كبيراً في أوساط محبيك وفي مجتمع السوق الذي كنت تنادي فيه وكنت تتمتع بإخلاص نقي لمجتمعك، رحلت أبا سليمان وفي قلبك الكبير حب للجميع، وفي نفسك النقية خير للجميع، وفي ضميرك إخلاص كثير لكل المخلصين والمحبين، أبا سليمان لقد كنت الصادق مع نفسك والواضح مع الآخرين والناصح الأمين في كل معاملاتك وتعاملك مع الناس والمجتمع المحيط بك، أبا سليمان لتهنأ بالاً فما كنت يوماً تحمل الحقد ولا الحسد ولم تكن نفسك ميّالة للشر والضغينة، لقد أحبتك القلوب لكل سجاياك الحسنة ونزاهة ضميرك وحبك الكبير لكل الناس، رحمك الله وغفر لك، أبا سليمان لقد كان رحيلك صعباً وفراقك قاسياً وغيابك مؤلماً، لكننا جميعاً نؤمن بقضاء الله وقدره وندرك أن الباري جلَّت قدرته رحيم بعباده المؤمنين، اللهم أسكن الفقيد في جناتك جنات النعيم واغفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر ونقّه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، والهمنا جميعاً وأهله وذويه الصبر والسلوان، و(أنا لله وإنا إليه راجعون).