لا شك أن جزيرتنا العربية كانت مكاناً مختاراً للكثير من الشعراء والكتّاب والمثقفين, والذين وجدوا فيها ملاذاً للتغني بشؤون القلب وبما يمليه عليهم الخيال, ولا تزال هذه الأرض المباركة تحضن وتنجب المبدعين الذين يوصلون أصوات مشاعرهم ومشاعر وأحلام الكثيرين عبر الكلام واللون إلى آخر الجهات, حتى نالوا حب واحترام الناس, الغريب والقريب على حد سواء, وأكاد أتذكر كما للتو كيف هرع الناس متجمهرين حول شخص يوزّع حبه لهم من خلال ابتسامته الحنونة ونظراته المليئة بالاحترام في إحدى القاعات فما كان مني إلا وسألت أخاً جالساً بجانبي وهو ابن عريعر عن ماهية ذاك الغريب عني, والذي لم تشأ الصدف إلى الآن لأراه, فقال لي: هذا هو سليمان المانع. فبدأت أتمتم ببعض أبياته سراً لنفسي, مستمتعاً بأجمل الكلام وأروع حالات العاطفة الإنسانية الجياشة, وبعدها بأيام وجيزة نشرت جريدة الجزيرة قصيدة للمانع بعنوان «شكلي غلط» فوددت لو أن الكثير من الناس شكلها غلط لتنال المحبة التي نالها هذا الشاعر, وأعتقد جازماً بأن هذا الكم من الحب لم يأت من عبث فسليمان من الشعراء الذين أتحفوا الساحة الشعرية بغزارة شعره وإبداعاته حتى وصف النقاد نتاجه الشعري بالجزل والمبدع, حتى أن قصائده تجعلك تعيد نظرتك إلى الأشياء كلها, كأن تتصور بأن الرمال عاطفتك والأشجار هي ألم الفراق, فلا حدود للخيال معه, شعره عذب المعنى وأسلوبه سلس وعاطفته صادقة وفيها من المعاناة ما يمكّنه من سرد أحاسيسه بلغة تنمو على بيادر الجمال والحب والحنين, منهج وأسلوب خاص في الكتابة كما تعامله المميز مع محيطه من بشر وكائنات وجماد بقلبه النقي وروحه الصافية التي تسمو وتحلّق حول القلوب, فهو يدرك تماماً ما يجري حوله من وقائع ليترجمها بنظرته الثاقبة إلى نصوص وقصائد غاية في الجمال, وليطرح قضايانا الإنسانية المختلفة عبر شعوره العارم بنا في قصائد ساحرة وفريدة بأفكاره ورؤاه وأحاسيسه الصادقة التي ينشرها بين أبيات قصائده وحالاته الإنسانية ومواقفه التي تتجذر بمعاناة صادقة مرافقة مع روحه الشعرية, وهو أحد أهم الشعراء السعوديين الذين أبدعوا في القصيدة النبطية, وهو من رواد الشعر الشعبي وله حضوره الجماهيري, ومميز في سماء الإبداع, وأسلوبه في الكتابة أسلوب تجديدي مع الحفاظ على روح الأصالة وهو الأمر الذي ميّزه كغيره من الأصوات الشعرية المهمة في الخليج العربي, فما أبدع وأروع سليمان وهو يؤمنأن الشعر رسالة ومهم وله دوره العظيم في المجتمعات الإنسانية, وإن كان قد فقد مصداقيته بسبب كثرة الشعراء وعدم التفريق بين المبدع والمدّعي, والتوهج الإعلامي عبر الفضائيات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي قتل الشعر, ويرى بأن المتلقي أصاب بالملل من الشعر خاصة مع وجود شعراء لهم أهداف منها النجومية والشهرة, وأن الأهم هو وسامة القصيدة, فلطالما ذكّرني هذا الشاعر بأجدادنا الشعراء من العصور الغابرة والذين بقوا خالدين في ذاكرتنا العربية جيلاً بعد جيل, وما زال الأحفاد يسيرون بنفس الدفق الشعوري, ويزخرفون بلغة الضاد تعبنا, حبنا, حزننا وآمالنا, كسليمان المانع الذي فاجأ بركة الشعر بحصاة كبيرة, ليثبت بأن الشعر رسالة عظيمة, وأن التواضع وحسن المعاملة تضع الإنسان دائماً في القمم والقلوب.