يختتم في هذه الحلقة د . الجميل مناقشته للدكتور حسن حنفي في قراءاته لصحيح البخاري... المحرر الوقفة الحادية والعشرون: في وصل الشَعَرْ. ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1216: (ح: 5934)، عن عائشة رضي الله عنها: أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت، فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة». - قال الدكتور حنفي: «.. وقد يكون ذلك إيجابًا وسلبًا حين يلعن الله الواصلة والمستوصلة، وهو حلق الشعر حتى ولو كان بسبب المرض» (ص377) - وأقول: الحقيقة إنه ليس المقصود الواصلة والمستوصلة، حلق الشعر كما ظن الدكتور حنفي، بل المقصود هو وصل الشعر الطبيعي بشعر مستعار. الوقفة الثانية والعشرون: في «أُحُد جبل يحبنا ونحبه». ورد هذا الحديث عند البخاري، ص:840 (ح: 4083، 4084)، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن جبل أحد: «هذا جَبَلٌ يحبنا ونحبه» - قال الدكتور حنفي: «والطبيعة في علاقة مع الإنسان والإنسان في علاقة مع الطبيعة... الرسول يحب جبل أُحُد ويُحبهُ، ليخفف وقع الصدمة على المسلمين، (ص:381). - وأقول: وهل مثل هذا القول يمكن أن يُنسي المسلمين مصابهم في يوم أُحُد؟! ولكن ما دام أنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال هذا فيجب عدم تلمس الدوافع النفسية والسياسية، ويكفي شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُخرية الدكتور حنفي من هذا الحديث لا تحتاج إلى توضيح. الوقفة الثالثة والعشرون: في من كان آخر كلامه لا إله إلا الله. ورد هذا الحديث عند البخاري، ص:243 (ح: 1237)، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتاني آتٍ من ربي فأخبرني - أو قال: بشّرني- أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، فقلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق». - قال الدكتور حنفي: «ويخبر الرسول بأن من مات من أمته ولم يشرك بالله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق، وهو مخالف لقانون الاستحقاق، الجزاء على الأعمال» (ص:393). -وأقول: إن الدكتور حنفي يطلب من الله خالق الخلق أن يحكم بين العباد طبقًا لقانون الاستحقاق؛ أي الجزاء على الأعمال! وينسى أن رحمة الله واسعة، وأنه رؤوف بالعباد. وينسى قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}. في حقيقة الأمر، لم يكن الدكتور حنفي أول من قال بهذه المقولة، فقد سبقه إليها المعتزلة منذ أمد طويل. الوقفة الرابعة والعشرون: في ما يقول الرجل إذا أتى أهله. ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1121: (ح: 5165)، عن ابن عباس، قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله: بسم الله، اللهم جنبي الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم قَدِرَ بينهما في ذلك أو قُضى ولدٌ لم يضره شيطانٌ أبدًا». -قال الدكتور حنفي: «دعاء الرجل أن يجنبه الله الشيطان عندما يكون مع أهله فيأتي الولد خاليًا منه، وكأنه لا قوانين للوراثة» (ص399). -وأقول: هل قوانين الوراثة كافية لحماية الإنسان من المس أو الجنون أو غير ذلك!! يجدر بالدكتور حنفي مراجعة السجلات الطبية ومحاولة استخلاص العِبر والنتائج منها، ولا يكتفي بإطلاق الأحكام دون ضوابط ومن ثم السخرية من الحديث النبوي. الوقفة الخامسة والعشرون: في ما يكره من التبتل والخصاء. ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1102: (ح:5075)، قال عبدالله: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]. - قال الدكتور حنفي: «تدل شكاية الناس بعدم وجود نساء. ونهي الرسول مرة عن الاستخصاء، وأمر مرة به» (ص:324). - وأقول: في واقع الأمر إن الحديث الذي جاء عند البخاري ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالإستخصاء بل رخص لهم بالزواج من النساء بأيسر ما يجدون من الصداق كالثوب مثلاً. أما أن يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخصاء فمعاذ الله. وما ذكره الدكتور حنفي من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بالخصاء فهو كذب منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتئات وعليه فيما قال الإثبات. الوقفة السادسة والعشرون: في قوله «وفيه العذاب بالريح» {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} (الآية). ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1034: (ح:4829)، قالت عائشة وكان -أي النبي صلى الله عليه وسلم- إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف في وجهه. قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية، فقال: «يا عائشة ما يُؤْمِنَّي أن يكون فيه عذاب، عُذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا». - قال الدكتور حنفي: «ويعذب قوم بالريح، وكأن الريح لا تخضع لقوانين الرياح» (ص381). - وأقول: الدكتور حنفي يسخر هنا من الحديث النبوي وينسى أن قوانين الرياح تخضع لإرادة من أنشأ الرياح وهو الله! ثم إذا عاد الدكتور حنفي إلى القرآن الكريم فسيجد أن الرياح تخضع لإرادته ومشيئته، قال تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وقوله: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} وقوله: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}. الوقفة السابعة والعشرون: في الدخول على الميت بعد الموت. ورد هذا الحديث عند البخاري، ص ص244-245: (ح:1243)، جاء عند البخاري في حديث طويل عن أم العلاء في وفاة عثمان بن مظعون؟، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله إني لأرجو له الخير -أي لابن مظعون- والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعلُ بي». - قال الدكتور حنفي: «ويتم الحساب طبقًا لقانون الاستحقاق» ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره» هو القاعدة العامة قبل الرحمة والمغفرة وبالتالي كيف لا يدري أَُحدٌ ماذا يفعل الله به يوم القيامة ولا حتى الرسول وهناك قانون الإستحقاق»؟ (ص412). -وأقول: يصرُ الدكتور حنفي على قانون الاستحقاق، ويستغرب كيف أن الإنسان لا يدري ماذا يفعل الله به يوم القيامة، ولا حتى الرسول! ولنا أن نسأل الدكتور حنفي هل يدري هو ما الله فاعل به يوم القيامة؟ إن رحمة الله قريب وهو واسع المغفرة ولا يمكن إخضاع رحمة الله بعباده لقانون الاستحقاق الذي ينادي به الدكتور حنفي. الوقفة الثامنة والعشرون: في الحراب والدُرق يوم العيد، «وفيه غناء الجواري». ورد هذا الحديث عند البخاري، ص188: (ح:949، 950)، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بيوم بُعاث، فاضطجع على الفراش وحَوّل وجهه، وجاء أبوبكر، فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دعهما». وفي السياق نفسه تقول عائشة رضي الله عنها: وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب، فإمَّا سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمَّا قال: «اتَشْتَهِينَ تنظرين»؟ قلت: نعم. فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: «دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت، قال: «حَسْبُكِ»؟ قَلتُ: نعم. قال: فاذهبي». - قال الدكتور حنفي: «دخلت عائشة على الرسول ومعهما جاريتان تغنيان فنهرهما أبوبكر فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم «دعهما» وكان يوم عيد فسألهما الرسول تشتهين تنظرين»؟ فأجاب نعم. فوضع خده على خدها قائلاً «دونكم يا بني أرفدة» حتى إذا ملت، قال: «حسبك» قالت: نعم قال: «فاذهبي» حاشية (ص364) - وأقول: إن قراءة الدكتور حنفي السابقة ليست دقيقة فالمعلومات مضطربة ولا يخرج منها القارئ بنتيجة فمن هما اللذان معهما جاريتان؟ ثم يقول: فسألهما الرسول صلى الله عليه وسلم: «تشتهين تنظرين»؟ كيف تستقيم العبارة؟ فالسؤال موجه للمثنى المذكر ثم ينصرف الخطاب للمفرد المؤنث وهذا مما يستعصي على الفهم!! فالجملة كلها غير مترابطة، وكان المتوقع من الدكتور حنفي أن يقرأ النصوص بعناية وفهم ودراية؛ ولا يشوهها بهذه الطريقة التي تسيء له في المقام الأول. الوقفة التاسعة والعشرون: في إذا رأى بقراً تُنَحرْ. ورد الحديث عند البخاري، ص1477: (ح: 7035)،عن أبي موسى، آراهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت في المنام أني أُهاجرُ من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو الهجر، فإذا هي المدينة يثرب ورأيت فيها بقرًا، والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أُحُد، وإذا الخير ما جاء الله من الخير، وثواب الصدق الذي آتانا الله به بعد يوم بدر». - قال الدكتور حنفي: «ويرى الرسول في المنام وهو يهاجر مكة [كذا] إلى أرض بها نخل وهي المدينة جمهور المؤمنين وكأنهم بقرٌ يوم أَحُد والصدق والخير بعد يوم بدر» (ص373). ثم يردف قائلاً: «ورؤية الرسول عن بُعد رد فعل على تكذيب الناس له. كل شيء في حياة الرسول يتم بمخطط مسبق يعرفه حلمًا، الهجرة إلى المدينة، هزيمة أُحُد، عام الفتح، نصر بدر» (ص374). - وأقول: ثم ما شأن جمهور المؤمنين والبقر يوم أُحُد؟ إن غير المختص بالسيرة النبوية وأحداثها يقع في حيرة بخصوص جمهور المؤمنين والبقر يوم أُحد؟. إضافة إلى هذا كله، فإنه يشمُ من أسلوب حنفي في تعليقه السابق السخرية والتهكم من رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم. الوقفة الثلاثون: في الحديث القدسي. -قال الدكتور حنفي: «والعجيب أنه لا ذكر في علم الحديث للأحاديث القدسية، وهل لها أسانيد خاصة أم تنطبق عليها قواعد السند للأحاديث النبوية؟ ... فمدونات الأحاديث القدسية من وضع المتأخرين وليس المتقدمين .....» (ص ص279- 280). - وأقول: في واقع الأمر إنني لا استطيع البحث في موضوع الأحاديث القدسية، وفي السياق نفسه، فإنني لم أتعقب ما جاء عند المؤلف في الباب الأول بفصوله الثلاثة، فقد تركت ذلك كله لذوي الاختصاص من أهل الحديث، فهم أدري بما فيها من الغث والسمين. أما الوقفات الثلاثون، التي جرى فيها التعقيب والملاحظة، فهي محصورة فقط في الفصلين الثاني والثالث من الباب الثاني. علمًا أنه لم يجر الاستقصاء الكافي لكل ما ورد في هذين الفصلين اعتمادًا على فطنة القارئ وفهمه. وأخيرًا، فإن اللافت في كل ما تقدم عرضه من وقفات مع الدكتور حنفي والتي بلغت ثلاثين وقفة، أن الصواب لم يكن حليفًا له، سواءً في قراءته للنصوص الواردة عند البخاري، أو التعليق عليها.!! ومن الصعوبة بمكان أن يُرمىَ الدكتور حنفي بالجهل بمصادر الحديث النبوي الشريف، إذا كان حقًا هو كاتب: «مقدمة في نقد مصادر الحديث» التي تجاوزت في حجمها مئة صفحة، في هذا الكتاب نفسه. والأمر الأكثر غرابة، ويدعو إلى التساؤلات، هو اعتماد الدكتور حنفي على نسخة قديمة من صحيح البخاري، مضى على نشرها أكثر من تسعين عامًا (1345ه) مما يجعلها في عداد الكتب النادرة؛ ويجعل متابعة ما أحال عليه الدكتور حنفي في هذه النسخة يكاد يكون أمرًا مستحيلاً!! فما السر وراء ذلك الاختيار يا تُرى؟ لماذا لم يرجع إلى أحدث نسخ صحيح البخاري؟ حتى يُسهل على القارئ متابعته في قراءته وتعليقاته؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟! تأسيسًا على ما سبق يحق للقارئ أن يتساءل عن هدف الدكتور حنفي وغايته من تقديم هذه القراءة المشوهة والتعليقات الفاسدة والمشبوهة، هل يهدف من وراء ذلك تشويه السنة النبوية في أصدق وأدق مصادرها وهو صحيح البخاري، أم يريد التشكيك في مصداقية الإمام البخاري إمام المحدثين؟! في ضوء ما تقدم، فإن الحاجة ماسة لأن يقوم الغيارى من أهل الحديث والسيرة النبوية بإعادة قراءة هذا الكتاب قراءة موضوعية دقيقة لبيان عواره، وما يكتنفه من شبهات. وفي الوقت نفسه، مراجعة ما كتبه عن القرآن الكريم والسيرة النبوية، والحضارة الإسلامية، خشية أن يكون فيها من المزالق والسقطات، مثل تلك التي تم عرض بعضها في هذه الوقفات. والله الموفق؛؛؛