يُتابع في هذه الحلقة د. الجميل مناقشته للدكتور حسن حنفي في قراءته لصحيح البخاري.... المحرر الوقفة الخامسة عشرة: في مناقب فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم. وردَ هذا الحديث في مناقب فاطمة، عند البخاري، ص ص742-743: (ح: 3623، 3624). ذكر البخاري بسنده حديثًا عن عائشة، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مرحبًا يا ابنتي» ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرّ إليها حديثًا فبكت، فقلت لها: لِمَ تبكين؟ ثمّ أسرّ إليها حديثًا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حُزن.. فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قُبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها. (ح: 3623). فقالت: أسرَّ إليّ أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وأنه عارضني العام مرتين ولا أُراهُ إلا حضر أجلي وأنك أول أهل بيتي لحاقًا بي». فبكيت. فقال: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك» (ح: 3624). - قال الدكتور حنفي: «ولقد أسرَّ جبريل لفاطمة أنه كان يعرض عليها القرآن كل سنة مرة وأنه عرض هذا العام مرتين.. وهذا يعني أنه حضر من أجلها، وأنها ستكون ألحق الناس بأبيها وسيدة نساء أهل الجنة» (ص392). - وأقول: واضح من تعليق الدكتور حنفي أنه لا يجيد قراءة النصوص فاختلط عليه الأمر، فلم يعد يفرق بين فاطمة وأبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث فهم أن جبريل كان يدارس فاطمة القرآن بدلاً عن أبيها. وهذا عين التخبط والجهل، وهل وجد الدكتور حنفي في القرآن الكريم أو السيرة النبوية ما يُنبئ عن علاقة فاطمة بجبريل والوحي؟ وهو العالم الذي ألّف في علوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم السيرة!! الوقفة السادسة عشرة: في ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو العاصي بن الربيع. ورد هذا الحديث عند البخاري، ص766: (ح: 3729)، جاء عند البخاري بسنده عن المسور بن مخرمة، أن عليًا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا عليّ ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين يتشهد، يقول: «أما بعدُ، فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها. والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد. «فترك عليّ الخطبة». - قال الدكتور حنفي: «وأخبر أن ابنته سيدة أهل الجنة، وهي بشارة غير متوقعة لابنة من أبٍ أقسم أنها لو سرقت لقطع يدها.. وهي بضع منه من أغضبها أغضبه تعم فيما يملك ولا فيما لا يملك طبقًا لقانون الاستحقاق، هي بضعة منه وهو بضع منها، لا ينكحها لو أحدٌ يسوؤها عدو الله.. وخيرها أيضًا مريم وخديجة.. فلا يعني الحكم الواقع بل التكريم» (ص415). - وأقول: لم أفهم من هذه الفقرة شيئاً وهي أشبه ما تكون بالطلاسم، وأكاد أجزم لو أن الدكتور حنفي أعاد قراءتها لم يفهم منها أي شيء هو الآخر!، ولكن المؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بضعًا من فاطمة، بل هي بضعة منه. الوقفة السابعة عشرة: في تأخير عمر بن عبد العزيز لصلاة العصر. ورد هذا الحديث عند البخاري، ص659: (ح: 3221)، في رواية لابن شهاب عند البخاري جاء فيها أن عمر بن عبد العزيز أخَّر (صلاة) العصر شيئًا، فقال له عروة: أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: أعلم ما تقول يا عروة. قال: سمعت بشير بن أبي مسعود، يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: نزل جبريل فأمّني فصليت معه، ثمّ صليت معه، ثمّ صليت معه ثمّ صليت معه، ثمّ صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات (ح: 3221). مضمون النص السابق الذي أورده البخاري هو عدم تأخير الصلاة عن موعدها وذُكرت صلاة العصر في السياق. وقد فهم الدكتور حنفي النص السابق على النحو التالي: - قال الدكتور حنفي: «وقد أخَّر عمر بن عبد العزيز الصلاة لنزول جبريل للصلاة أمام الرسول..!!» (ص392). - وأقول: لا يخفى على دارس التاريخ الإسلامي أن ميلاد عمر بن عبد العزيز كان في سنة (63ه) أي بعد (52) سنة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الوقفة الثامنة عشرة: في تغطية الإناء. ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1211: (ح: 5623)، جاء في رواية لجابر بن عبد الله عند البخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان جُنْحُ الليل - أو أمْسَيْتُمْ - فكُفُّوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحُلُّوهُم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا. وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله»، ... إلخ الحديث. - قال الدكتور حنفي: «والشياطين تُحَلُ في الليل لذلك لا ينبغي للصبيان الخروج من المنازل إلا بعد ساعة من العشاء مع غلق الباب وذكر اسم الله عند شرب الماء أو الخمر، (وخمر إنائك)... ويذكر اسم الله كما يفعل السحرة. (ص398). - وأقول: فهم الدكتور حنفي التخمير على أنه الخمر ثم فهم ضرورة ذكر اسم الله عند شربها، إن المقصود بتخمير الإناء الوارد في هذا الحديث هو تغطيته، وليس وضع الخمر فيه.. ثم ما علاقة السحرة بذكر الله؟ والخمر محرمة، فكيف بذكر اسم الله عند شرب شراب محرم؟! الوقفة التاسعة عشرة: في غزوة الحديبية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أنتم خيرُ أهل الأرض». جاء هذا الحديث عند البخاري، ص858: (ح: 4154)، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا يوم الحديبية: «أنتم خيرُ أهل الأرض» وكُنا ألفًا وأربع مئة، ولو كنتُ أبصرُ اليوم لأريتكم مكان الشجرة. (ح: 4154). - قال الدكتور حنفي: «... وفي رواية أخرى كان المسلمون حوالي ألفًا وأربع مئة وصفهم الرسول بأنهم خير أهل الأرض، وكان يمكن أن يريهم الشجرة التي سماهم بها القرآن، (أصحاب الشجرة) إلا أنه لم يبصرها من كثرة العدد وكان يمكن أن يريها إياهم بإفساحهم المكان أو بالقلوب، وهي معجزة نمطية في تاريخ النبوات» (ص475). - وأقول: لو فكر الدكتور حنفي في الحديث السابق قليلاً لأدرك أن المتحدث ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو جابر بن عبد الله، أحد شهود يوم الحديبية، وفقد بصره في آخر أيام حياته لذلك لم يستطع أن يَدُلَّ القوم على موضع الشجرة.. ومعلوم أن القرآن الكريم لم يُسم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة باسم «أصحاب الشجرة»، بل قال وقوله الحق: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الفتح: 18]. الوقفة العشرون: في نزول المطر يوم الحديبية وقوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ). ورد هذا الحديث عند البخاري، ص857: (ح: 4147)، عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: «أتدرون ماذا قال ربكم؟» قلنا: الله ورسوله أعلمُ، فقال: «قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر بي.. فأما من قال: مُطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مؤمن بي، كافر بالكوكب.. وأما من قال: مُطرنا بنجم كذا فهو مؤمن بالكوكب وكافر بي» ص379. - قال الدكتور حنفي: «ثم يتكلم الرسول نيابة عن الله مثل الحديث بعد صُلح الحديبية، فقد احتاج الرسول إلى تقوية حديثه بعد أن دب الشك في قلوب بعض الصحابة... عن مدى شرعية هذا الصلح وعدم إجحافه بالمسلمين...». - وأقول: في الواقع أن الصواب لم يحالف الدكتور حنفي في تعليقه، حيث إنه لم تأت الإشارة إلى صُلح الحديبية لا من قريب ولا من بعيد، وليس في الحديث ما يشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قاله بعد صُلح الحديبية ليبدد شكوك أصحابه كما يزعم الدكتور حنفي!! الحديث له علاقة مباشرة بالمطر تلك الليلة، فبعض المسلمين يعزو المطر إلى بركة من الله وفضل، فهؤلاء هم المؤمنون.. وبعض الناس من يرد المطر إلى أحد الكواكب، وهؤلاء كافرون بالله مؤمنون بالكوكب... (يتبع)