{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، الله أكبر الله أكبر له ما أخذ وله ما أعطى، سبحانه وهو على كل شيء قدير... رحم الله فقيد الإِنسانية جمعاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي انتقل إلى جوار ربه يوم أمس الجمعة اليوم الثالث من شهر ربيع الثاني للسنة السادسة والثلاثين بعد الألف والأربعمائة من الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام... انه لخطب جلل ومصاب عظيم ورزية كبرى وحدث كبير، لما لا ونحن نفقد ملكا جمع الله فيه صفات النبُل والشجاعة والأبوة وصدق النية والمقصد. ملك أحب شعبه فأحبوه حباً تلقائياً، ملك لن نحصي مناقبه في مقال صحفي، لكن من آخر إنجازاته أنه دافع عن مقومات أمته بكل قوة واقتدار، ملك تحطمت على حصونه الصلبة أمواج الربيع العربي المشئوم، ملك قاد سفينة بلاده في بحر لجي متلاطم من الأحداث والأطماع غير المسبوقة حتى أرساها على بر الأمان، ملك جمع الكلمة الخليجية ووحد الصف، ملك انتشل مصر أم العروبة من أطماع الحاقدين لها والمتربصين بها، ملك دعم الأشقاء ودول الجوار العربي. أما على الصعيد الداخلي فقد اهتم بالإِنسان السعودي فوسع الجامعات وأسس برنامج الابتعاث وبنى المستشفيات وزاد الوظائف وأسس لمشروعات نهضوية عملاقة كمشروعات القطارات وقبل هذا كله مشروع توسعة الحرمين الشريفين ولاسيما الحرم المكي الشريف، ملك امتدت أياديه البيضاء للإِنسانية فأسس برنامج طبياً لفصل التوأم شملت خدماته كل سكان المعمورة فأطلقوا عليه «ملك الإِنسانية». رحم الله عبد الله بن عبد العزيز لقد تحقق على يده من الإنجازات والنجاحات ما سيبقى محفوراً على جبين التاريخ بمداد من نور. وعلى الرغم من ذهول الموقف وحجم المصاب، إلا أن الانتقال السلس والسريع للسلطة العليا في البلاد خفف من حدة الصدمة وبعث بالطمأنينة في نفوس الناس، وأحبط المجال أمام المرجفين والمتربصين والمجتهدين في نشر الشائعات، هذا الانتقال الذي برزت من خلاله قدرة وحكمة قيادتنا الرشيدة المعهودة على تخطي الصعاب والتعامل مع أدق الأحداث وأصعب المواقف، فقد أعلن عن مبايعة الأسرة - الكريمة - لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أيَّده الله بتوفيقه - الذي أصدر أوامره الكريم بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد، وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولياً لولي العهد، رافق ذلك حضور لمعظم أصحاب السمو الأمراء أفراد الأسرة الملكية الكريمة ولاسيما الجيل الثاني منهم لمبايعة الملك وولي العهد وولي ولي العهد، وإن كان غير مستغرب فقدرة رجال هذه الأسرة الكريمة على التعامل مع المتغيرات بما يتطلبه الموقف هي في المقام الأول توفيق من الله عز وجل، فمنذ عهد مؤسس هذا الكيان - المغفور له بإذن الله - الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مر بأحداث مشابهة تجاوزتها الدولة بيسر وسهولة. إلا أن معطيات ظرفنا الراهن وما يتصف به من تسارع في وسائله الإعلامية التي أصبح معظمها لا يبحث عن الحقيقة والرصانة في الخبر بقدر ما يبحث عن الإثارة بل تجاوزها ليكون ابواقاً مأجورة لإذكاء نار الفتنة، تتطلب من صناع القرار الحذق والحزم والسرعة وهو ما تم ولله الحمد. فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - رجل يملك من الخبرة والحكمة والدراية في إدارة الأمور ما يمكنه من قيادة البلاد في أحلك الظروف، وهو رجل إعلام من الطراز الأول فجلالته معروف عنه متابعته الإعلامية لما يكتب في الصحافة اليومية، ومن شدة اهتمامه أوجد له موقع في»تويتر» يطل من خلاله على متابعيه، وهذا يدل على اهتمامه بالإعلام لذلك أتت أوامره متسقة مع طبيعة المرحلة الإعلامية. إضافة لمعرفته منقطعة النظير في التاريخ والرجال على مستوى الجزيرة العربية، وهو رجل دولة حيث تقلد المناصب وأوكلت له ملفات سياسية حساسة وهو في عقود عمره الأولى، فعمل بمثابة مستشار لمن سبقه من إخوته الملوك وهو مسؤول أمور الأسرة الحاكمة الكريمة، فلذلك لا يستغرب على «ملك السعودية» اتخاذ هذه القرارات الصائبة السريعة. المستقرئ لمضامين كلمتي قائد مسيرة هذه البلاد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده - أيدهما الله - بعد مبايعته يدرك صدق توجهه وعزيمته القوية على المضي على نهج أسلافه المستمد من كتاب الله وسنة رسوله. أخيراً لقد اظهر هذا الحدث التلاحم الكبير بين القيادة والشعب رغم كيد المضللين والحاقدين ودعاة الفتنة والضلال. اللهم ارحم فقيدنا واحفظ قائدنا وولي عهده الأمين وولي ولي عهده المخلص وحكومتنا الرشيدة وشعبنا الوفي ووفقنا لما تحبه وترضاه. واكفنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.