يمثل قطاع الطاقة العصب الرئيس للتنمية المدنية والصناعية، ما يجعله في أمس الحاجة للخطط الإستراتيجية الضامنة لتطويره بنسبة تزيد على نسب النمو الصناعي والمدني وبما يحقق استمرارية الإنتاج والتوزيع، بجودة عالية. لم تصل الطاقة المولدة محليا؛ حد الاكتفاء بعد؛ عوضا عن مشكلات انقطاعاتها المتكررة في أوقات الذروة خلال أشهر الصيف. ولو أخذنا في الاعتبار التوجه الحكومي نحو التوسع الصناعي الممنهج؛ لوجدنا أن حجم الطاقة المولدة محليا ربما كانت المعوق الأكبر للتنمية مستقبلا. بخلاف التوجهات العالمية، تخطط السعودية لبناء 16 مفاعلا نوويا سلميا بحلول عام 2030 بتكلفة تتجاوز 100 مليار دولار. ومن المتوقع أن توفر تلك المفاعلات النووية ما نسبته 20 في المائة من حاجة المملكة الكلية للكهرباء، وهي نسبة ضئيلة يمكن توفيرها ببدائل أخرى أكثر أمنا. الاستثمار في الطاقة النظيفة، كالطاقة الشمسية، والرياح أيضا؛ هو الخيار الأنسب للسعودية؛ فقد حباها الله بطاقة شمسية هائلة، تستطيع من خلالها توفير أكثر من 20 في المائة من احتياجاتها الكلية. يمكن للطاقة الشمسية أن تكون الخيار البديل للطاقة النووية؛ عِوضا عن قدرتها على خفض استهلاك النفط المحلي؛ وتحقيقها هدف «أمن الطاقة» مستقبلا. تابعت مطلع الأسبوع المنصرم برنامج «شخصيات اقتصادية» الذي تقدمه الزميلة «فاطمة الضاوي»، على قناة «العربية»؛ والذي تمحور حول تجربة استثمارية رائدة في قطاع الطاقة النظيفة، تقوم بها شركة «أكوا ورزازات» المملوكة بنسبة 70 في المائة ل «أكوا باور» السعوية. ولاحظت قدرة المشروع الطموح على توفير ما يزيد عن 40 في المائة من احتياجات المغرب الكلية من الطاقة. وهي نسبة مرتفعة جدا؛ ستسهم في تقليص اعتماد المغرب على النفط والغاز. في «دبي» تم اختيار شركة «أكوا» السعودية و «تي إس كي» الإسبانية لتطوير مشروع ينتج 200 ميغاواط من الطاقة الشمسية، بهدف تنويع مصادر الطاقة و خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من خلال تبني استراتيجية الطاقة النظيفة. رئيس هيئة مياه وكهرباء دبي؛ سعيد الطاير؛ أكد في تصريحات صحفية أن «اختيار شركة أكوا السعودية جاء بعد تفوقها من الناحية التجارية والفنية على 24 شركة عالمية تقدمت بعروض، حيث كان عرضها الأقل سعراً والأكثر تقنية». الجمع بين جودة السعر والتقنية العالية أمر غاية في الأهمية عند حساب التكاليف وإقرار المشروعات؛ إلا أن توفرهما في شركة سعودية يعتبر أمرا لافتا؛ ومهم من الجانب التقني؛ الاقتصادي؛ و الإستراتيجي. «أكوا باور» شركة سعودية تابعة للقطاع الخاص؛ تمتلك فيها المؤسسة العامة للتقاعد؛ و «سنابل للاستثمارات المباشرة» التابعة لصندوق الاستثمارات العامة؛ مانسبته 17.2 في المائة؛ ما يجعلني أتساءل عن عدم توسع الشركة محليا بدلا من التوسع الخارجي؟. فالسعودية أكثر حاجة للتوسع في إنتاج الطاقة النظيفة؛ لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسة، ومنها؛ زيادة حجم الطاقة المولدة محليا؛ خفض استهلاك النفط في إنتاج الكهرباء؛ تحقيق كفاءة استثمار الموارد المتاحة؛ استثمار الطاقة الشمسية المهدرة؛ إيصال خدمات الكهرباء للمناطق البعيدة مرتفعة التكاليف؛ والمحافظة على صحة الإنسان وسلامة البيئة من خلال خفض الانبعاثات الضارة. تعمل مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة على توفير مصادر بديلة للطاقة التقليدية؛ وهو أمر مهم ولا شك؛ إلا أن دور القطاع الخاص سيكون محوريا في تحويل الرؤى والدراسات والمشروعات إلى واقع معاش. ومن هنا أعتقد أن السعودية في حاجة ماسة لجهود القطاع الخاص؛ وشركاته المتخصصة التي باتت تنافس الشركات العالمية في مجال الطاقة الشمسية. كنت أتمنى أن يكون لشركة «أكوا باور» استثمارات تفوق المتاح لها محاليا؛ فالسوق السعودية في أمس الحاجة للاستثمارات التقنية الداعمة للطاقة البديلة؛ التي أزعم أنها الخيار الأنسب للمملكة. توسع الشركة محليا مقدم على توسعها الخارجي؛ طالما أننا لم نصل حد الاكتفاء من الطاقة البديلة. بل إنني أتمنى أن أرى مزيدا من شركات الطاقة السعودية القادرة على تحقيق التنافسية؛ ودعم قطاع الطاقة النظيفية محليا. قد تكون «الطاقة الشمسية» أحد الخيارات المهمة لترشيد استهلاك النفط والغاز محليا؛ إلا أن تحقيقها لأمن الطاقة؛ وقدرتها على تقليص التكاليف؛ مع جودة الإنتاج؛ ومساهمتها في توطين التقنية التي ستفتح آفاق صناعية جديدة؛ يجعلنا أكثر تعلقا بها؛ وحرصا على توفير الدعم الحكومي الأمثل لها.