في عدد يوم الأربعاء 16ربيع الأول من صحيفة الجزيرة، كتبت الأستاذة سمر المقرن مقالاً تحت عنوان (ماذا بعد إغلاق الأسواق في التاسعة مساءً) بدأته بالحكم على فكرة الإغلاق بأنها غير موفقة، ولا تتناسب مع النظام الاجتماعي ولا الأجواء المناخية في السعودية، وأنه في ظلِّ انعدام تامّ لوسائل الترفيه، فإن المتنفس الوحيد الذي يتجه له سكان السعودية هو الأسواق. وإنني أشارك الكاتبة الكريمة في إشارتها إلى الانعدام التّام لوسائل الترفيه، ولكن ليس في معارضة الإغلاق. ولْتسمحْ لي أن انطلق من الأسباب التي ساقتها لتبرير وجهة نظرها. فقد حذرت من تفاقم مشكلة المخدرات بسبب الفراغ الحاصل الذي سيعيشه الشباب، ومن زيادة تسكعهم في الشوارع. فهل محلات الأسواق (من دكاكين الشوارع إلى دكاكين المولات) هي التي تمتص فراغ الشباب وتسكعهم - أم المقاهي والمطاعم؟ فإن هذه سوف تُستثنى من قرار الإغلاق المبكر. كما أن الشباب وجد ضالّته - بسبب انعدام وسائل الترفيه - في الاستراحات، مع وجود الأسواق المفتوحة. فلا خوف على الشباب من قرار الإغلاق! كذلك توقعت الأستاذة سمر أن تتضاعف المشكلات العائلية ونسب الطلاق بسبب الفراغ اليومي الذي ستعيشه النساء في المساء الذي هو الوقت الوحيد أمام المرأة الأم والعاملة لقضاء لوازمها. هذا الفراغ اليومي - في رأيي - ميزة وليس مثار خوف، حيث يتيح وقتاً أطول للراحة مع العائلة والتجمّع للعشاء معاً أو مشاهدة التلفزيون أو تبادل الأحاديث وغير ذلك من الشؤون العائلية المشتركة، أما قضاء اللوازم فله وقت كافٍ قبل التاسعة وفى نهاية الأسبوع. وقد أعادت الكاتبة الكريمة التأكيد على اختلاف نمطنا المعيشي عن الأوروبيين. وهذا صحيح، لكنهم لا يغلقون محلاتهم ليهرعوا إلى أماكن أخرى: بل المعتاد أن يقضوا المساء أيام العمل في المنزل، ويذهبوا إلى أماكن الترفيه - مثل السينما والمسرح وتناول العشاء الخارجي - في أيام الإجازة الأسبوعية. وهذا لا يمنع أن المتقاعدين أو العاطلين أو ممارسي العمل الحر أو المرتبطين بمواعيد شخصيه قد يخرجون عن هذه القاعدة. وقد عبّرت الكاتبة الكريمة عن تقديرها لوزارة العمل في سعيها لسعودة وظائف البائعين، ولكنها استغربت التمسك القويّ بسعودة الوظائف (الدنيا) بالذات مع أنّ الذي يقبل وظيفة (بائع) سيقبل العمل لغاية الحادية عشرة مساءً. وهذا افتراض ينقضه ما هو معروف من استبيانات مختلفة للباحثين عن العمل بأنّ ادوام الطويل والمتأخر أحد أسباب عزوفهم عن العمل في القطاع الخاص. علماً أن وظيفة بائع هي عمل شريف يتطلب تدريباً على مهارة حسن التعامل وفنّ اجتذاب الزبون ومعرفة كافية بأنواع البضائع وجودتها. وربما قصدت الكاتبة من عبارة الوظائف (الدنيا) أنّ أجرها متدنٍّ - مثل ما نسمع عن أجور البائعات في محلات المستلزمات النسائية. وأخيراً فإنّ الأستاذة سمر ذكرت أن صاحب العمل نفسه لا يحصل على ربح اليوم كله إلا بعد صلاة العشاء. وفى هذه النقطة أرى أنها أصابت وتراً حسّاساً، إذا استمر الحال على ما هو عليه من إغلاق المحلات وقت صلاة العشاء - أي حوالي 45 دقيقه - إذ لا يتبقى بعد صلاة المغرب إلا ساعة واحدة تقريباً، لا هي تكفي الزبون الذي يحتاج للوقت حتى يصل للسوق ويبحث عن موقف لسيارته ويختار المحل الأنسب لحاجته، ولكنها تكفي لخسارة أصحاب المحلات بسبب قلّة الزبائن. أما إذا ظلّت المحلات مفتوحة في أثناء وقت الصلاة، فسيكون أمام الزبون والبائع ساعتان في الصيف وثلاث ساعات في الشتاء. وصلاة الجماعة ممكنة لمن أراد أن لا يؤخر الصلاة يى أقرب مكان مهيّأ كمُصلّى، مع أن في وقت صلاة العشاء متسعٌ ولله الحمد. إن تحفظات الأستاذة سمر - حتى مع عدم الاتفاق معها - تؤكد أهمية تضمين القرار المنتظر شيئاً من التيسير مثل استمرار الأسواق مفتوحة بعد أذان العشاء حتى موعد الإغلاق، واستثناء مساء الخميس (أي ليلة الجمعة) من تطبيق قرار الإغلاق المبكر، إلى جانب ما هو مقرّر بالفعل استثناؤه من المحلات. إن أهمية القرار المنتظر لا تنحصر في إزالة عقبات السعودة والحدِّ من التستر، بل أيضاً في الإقلال من إهدار الكهرباء على آلاف المحلات التجارية، والإقلال من تلوث الهواء بعوادم السيارات، وكسب الهدوء في الأحياء السكنية التي تحيط بها الشوارع التجارية.