في حركة غير منتظرة، رفض عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع في حكومة الترويكا الأولى قبول ترؤس الحكومة الجديدة مثلما اقترحت عليه قيادات في حركة نداء تونس وألحت عليه في القبول إلا أنه بعد أن أبدي موافقة مبدئية عاد ليرفض وبشدة هذا المنصب دون أن يقدم توضيحات لموقفه الذي رمى وحدة الصفوف الندائية المرتعشة برصاصة أصابتها في مقتل. فعلى مدى الأيام الماضية، كان أعضاء المكتب التنفيذي لحركة نداء تونس في حالة اجتماع متواصلة بالليل والنهار في مسعى لإيجاد مخرج يرضي كافة التيارات المتنافرة صلب النداء التي يصعب أن تتفق حول شخصية معينة تتولى ترشيحها وتقديمها لرئيس الدولة الباجي قائد السبسي اليوم الاثنين ليكلفها هذا الأخير بتشكيل الحكومة المنتظرة التي سيتم عرضها على مجلس نواب الشعب لتنال رضاه في ظرف لا يتجاوز الشهر. إلا أن الخلافات العميقة التي فجرتها مشاورات اقتراح الشخصيات المرشحة لتولي حقائب حكومية من جهة والأسماء المطروحة لخلافة السبسي على رأس نداء تونس، فجرت الوضع من الداخل وجعلت من الصعب على الكوادر والإطارات الندائية حسم النزاع أو إخماد نيران الصراع التي تتقد دون أن تجد من يطفئها باعتبار أن السبسي استقال فعليًا من قيادة الحركة وبالتالي فإنه يحجر عليه قانونًا التدخل في سير أعمال النداء. وبالرغم من ذلك صرح أحد قياديي حركة نداء تونس رفض الكشف عن اسمه، بأن السبسي لا يزال بعد استقالته يضغط بيد من حديد على توجهات الحركة ولا يفتي يفرض موقفه المتعارض عادة مع مواقف تيارات متعددة صلب النداء. وهي مسألة على غاية من الأهمية والتعقيد بالنظر إلى أن السبسي الذي وعد باحترام الدستور وإرساء دولة القانون، يحاول اليوم وفق ذات المصدر، أن يتجاوز النصوص الترتيبية والقانونية المنظمة لدواليب الدولة. فمحمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب والرئيس المؤقت لحركة نداء تونس إلى غاية عقد مؤتمرها الأول في يونيو 2015، لم يخرج يومًا عن عباءة السبسي وظل يستشيره في كافة المسائل وعلى رأسها الحسم في اسم الشخصية التي ستخلفه في سدة القيادة الندائية. ولا يبدو السبسي مستعجلاً لتعيين إحدى القيادات الندائية كخليفة له، بل إنه ربحًا للوقت لأرجأ العملية إلى المؤتمر الأول للنداء، مسخرًا وقته الحالي لدراسة ملفات المترشحين للحكومة الجديدة، خاصة بعد تمسك النهضة برفضها للطيب البكوش الرجل الثاني في النداء كرئيس حكومة على خلفية تشدده في معارضة النهضة وقيادته لتيار استئصالي صلب النداء يرفض قطعيًا الاعتراف بالنهضة كحزب سياسي قوي في الساحة المحلية. وبقدر توافق الأحزاب الأربعة الكبرى النداء والنهضة وآفاق تونس والوطني الحر وهي الأحزاب الفائزة بالمراتب الأربعة الأولى في الانتخابات التشريعية، تنقصها الجبهة الشعبية اليسارية، التي اختارت موقع المعارضة لتواصل العمل صلبه، على برنامج الإصلاحات الهيكلية الكبرى في المجال الاقتصادي، بقدر فشلها في التوافق حول شخصية رئيس الحكومة وأعضائه من وزراء وكتاب دولة. وتكتسي اليوم نقاشات الربع ساعة الأخير لهذه الأحزاب أهمية قصوى باعتبار تسارع عقارب الساعة مع اقتراب انتهاء الأجل القانوني لاقتراح رئيس للحكومة الجديدة التي تؤكد كل المؤشرات بأنها ستكون حكومة ائتلافية موسعة تضم إطارات عن الأحزاب الثلاثة المتالفة مع نداء تونس إلى جانب كفاءات مستقلة. إلا أن بعض الأسماء الندائية لا تزال تضغط بشدة على قيادات حركتها لاستبعاد حركة النهضة وتعويضها بالجبهة الشعبية اليسارية التي تربعت على عرش المعارضة بعد تفتت الأحزاب الصغرى وتلاشيها جراء فشلها في التشريعية.