ما زال التاريخ السعودي الحديث بحاجة إلى الكثير من البحوث والدراسات التي تكشف عن أسرار هذه المرحلة من تاريخ الدولة السعودية التي تربص بها الكثيرون، علمًا منهم بأهمية هذه البقعة من العالم العربي، كونها تمثل بقعة جغرافية إستراتيجية، ولما لها من ثقل في العالمين العربي والإسلامي، حيث تضم بين حناياها الحرمين الشريفين مهوى أفئدة المسلمين في العالم، وقد أحسنت الدكتورة مريم العتيبي في اختيارها لهذا الموضوع الذي يلقي الضوء على هذه الفترة من تاريخ المملكة، وعلى هذه البقعة من الدولة السعودية فعلى الرغم من أهميتها في عهد الدولة السعودية الثانية في كونها من أهم المناطق التي سيطرت عليها الدولة في دوريها الأول والثاني، إضافة إلى صدق ولاء سكانها للحكومة المركزية في الرياض، فلم يسبق لأحد أن أفرد لأهميتها السياسية والاقتصادية دراسة مستقلة ترصد هذه الجوانب من تاريخها، حتى جاءت هذه الدراسة الجادة تلقي بضوئها أشعة كاشفة تتميز بالرصانة في العرض والصدق في التناول. تعد الأحساء والقطيف من أبرز مناطق شرق شبه الجزيرة العربية وأوسعها مساحة، وتمتاز هذه المنطقة بوفرة مواردها الزراعية والتجارية منذ أقدم العصور، كما أن لها أهمية إستراتيجية أخرى كونها بوابة وسط شبه الجزيرة العربية. وقد أدرك حكام الدولة السعودية الثانية أهمية هذه المنطقة الإستراتيجية والاقتصادية؛ حيث مكّنت الدولة في نجد من الاتصال بالعالم الخارجي، ودعم الدولة اقتصاديًا من خلال مواردها الزراعية والتجارية؛ لذا كان من الطبيعي بل والضروري أن يقوم الحكام السعوديون بضم الأحساء والقطيف تحت نفوذهم بعد أن استتب الأمر لهم في نجد. وقد تناولت المؤلفة بالدراسة والبحث تاريخ هذه المنطقة إبان حكم الدولة السعودية الثانية في الفترة من (1245-1288ه/1830-1871م)، ويعد هذا الكتاب أصل رسالة الدكتوراه للمؤلفة، وقد اشتمل على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة. ففي التمهيد استعرضت الدكتورة مريم العتيبي الخلفية الجغرافية والتاريخية لمنطقة الأحساء والقطيف، وتضمن حديثها كيفية استيلاء الدولة السعودية الأولى على هذه المنطقة والآثار التي ترتبت على ذلك، ثم سقوط الدولة السعودية الأولى وعودة الأحساء والقطيف إلى حكم بني خالد. وفي الفصل الأول كان الحديث عن قيام الدولة السعودية الثانية وضمها الأحساء والقطيف مرة أخرى على نفوذها عام 1245ه/1830م، وموقف الحكومة المصرية من قيام الدولة السعودية الثانية، وتناولت المؤلفة الحديث عن هيمنة الحكم المصري على المنطقة تحت اسم الأمير خالد بن سعود حتى انسحاب القوات المصرية واستيلاء الأمير عبدالله بن ثنيان على الحكم وعودة الإمام فيصل بن تركي إلى الحكم مرة أخرى، والنزاع الذي نشب بين أبنائه بعد وفاته مما أدى إلى سقوط الدولة وهيمنة الحكم العثماني على المنطقة. أما الفصل الثاني فقد تناولت الدكتورة مريم العتيبي بالدراسة الأهمية السياسية والإستراتيجية للأحساء والقطيف في عهد الدولة السعودية الثانية، ومدى تأثير المنطقة على مجريات الأحداث السياسية في تلك الفترة، ومساندتها للحكم والقيادة المركزية في الرياض. وجاء الفصل الثالث ليناقش الأهمية الاقتصادية للأحساء والقطيف، ودور مواردها الاقتصادية في دعم الدولة السعودية الثانية لمد نفوذها إلى منطقة الخليج العربي، وكيف كان لهذه الأهمية من أثر في ظهور النزاع بين أبناء الإمام فيصل بن تركي بعد وفاته. ولابد من الإشارة إلى دقة الكاتبة في تناول الأحداث التاريخية، فهي دائماً توثقها بالأدلة والشواهد من المصادر والمراجع والمخطوطات والوثائق، كما تميزت لغة البحث بالموضوعية والشفافية دون تحيز أو هوى، كم نحن بحاجة إلى أن نتناول تاريخنا بهذه الروح من الجدية والنزاهة، حتى نصل الماضي بالحاضر وتتواصل الأجيال، ونتعلم من تاريخنا ما ينفعنا في المضي قدمًا لمستقبل نتلافى فيه أخطاء الماضي ونستشرف فيه ما نصبو إليه من تقدم ورقي وازدهار. د. يحيى مراد - كلية التربية - جامعة سلمان بن عبدالعزيز