لو أنّ كلّ واحد من المتهافتين على الكلام لا ينطق كلمة، ولا يكتب حرفاً، ولا يطلق خبراً، ولا يعقب عن منشور، ولا يصادق على مُشاع، ولا يخوض في تداول رأي، أو تناول خبر عن أفراد، أو موضوعات، أو جهات إلاّ يكون من ذوي العلم بالشأن، أو يكون من العارفين بموثوق مصادرها، والموقنين من صدقها، حين يسمح لنفسه أن يخوض في الكتابة والتعقيب والنشر والتداول..!! إنّ كلّ من يتفوّه بكلمة، ويخط حرفاً، وهو من أولئك سيوفر الوقت الكثير له، ولغيره، ويحفظ الحق المهدر للآخرين، ولا يقلق جهات المتابعة لترصد ما يشيع، للرد، والإنكار، والنفي، والتصحيح من جهة، ومن جهة أخرى كي لا تُشاع الشائعة، وتنتشر الأقاويل.. ويتناقلها الناس على غير بيِّنة، فتعم البلبلة ويكثر اللغط، وتجري الريح بما لا تشتهي القلوب، ولا تقر العقول.. بما يوصم المجتمع الذي فيه هذه النماذج من المتكلمين، والكاتبين بغير ما عليه قوامه، ومبادئه، وأخلاقه..!!، إذ يُفترض أن يكون لكلِّ مجتمع بشري قيمه ومبادئه وقواماته التي يضبطها ضابط ما... وفي مجتمعنا منها،كثيراً ما تطفو مرارة تجيش، بسؤال يمور لماذا تحوّل مجتمع الحياء، والستر، والأخلاق، والمروءة، والتكافل، والتعاون، والصبر، إلى مجتمع ينام على الشائعة، ويستيقظ على لوكها..؟، تفوح بالسخرية، والتهكم، والتسطُّح، والسذاجة، وعدم النقاء، وهشاشة الوعي..!! لماذا تبدّلت الحال فغدا كلٌّ يهرف، وفيهم الأغلب لا يعرف ما يهرف فيه..؟ فاستيسر على ذوي الخشية اقتحام السياجات المحصنة بالقيم النبيلة المنبثقة من الإيمان والتقوى..، حين تركوها في إهاب سماتهم الطارئة، ولم يتمثّلوها قواماً لأنسجة صدورهم المفرطة..! واستأسد القانعون فنسوا أنّ {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}..؟، وأن « ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك..»..؟..، وأنّ النِّعم لا تزول إلاّ بإنكارها..؟، وأنّ على المرء أن يعمل ، ويجدَّ، لأنّ الحياة مضمار العمل، والتعمير، لا البكاء، والرجاء..،؟ وطفحت النفوس بدكنها، والألسنة بعفنها، ولبِست الثيابُ الناصعة على الصدور المكتظة..، وأخذ كلٌّ يقول عن أي ممن يقول بلا روية..، وتفشى جوع النفوس، ويباب الفكر..؟ وغدت كل لمعة كالزجاج الرهيف..!!