يعد النظام المالي للجماعات الإرهابية واحداً من الأسرار الأكثر غموضاً في إيجاد موارد ذاتية ثابتة، ومتنوعة للدخل، وذلك - من خلال - تضليل الاتجاه الفكري للمجتمعات، وممارسة التأثير الديني عبر استثارة عواطف الناس - وسواء - كان التمويل المالي من مصادر مشروعة، أو غير مشروعة، فإن الهدف منه، هو الحفاظ على استمراريته، وبقائه متاحاً؛ لتمويل أي أنشطة إرهابية في المستقبل. في تقديري، أن تلك الجماعات الإرهابية تعتمد على مصادر مالية هائلة، ومن قنوات مانحة؛ من أجل تمويل نشاطاتها، وتنفيذ مخططاتها، بواسطة شبكات عنقودية من الخلايا النائمة، وتديرها - أيضاً - شبكات مخابراتية، وشركات أمنية، ومصانع كبرى - أمريكية وأوروبية وإيرانية - لها مصالحها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن بعض المتعاونين - ربما - أداروا أنشطة تجارية متخفين خلفها؛ لتحقيق أهداف تتعارض مع الأنظمة، والقوانين، - وربما - استغلوا مراكزهم الاجتماعية، أو المالية؛ لارتكاب جرائم مالية، كغسل الأموال - من خلال - الأصول، واستغلال بعض تلك الأموال؛ لتمويل الجماعات الإرهابية.. كما أن جمع التبرعات النقدية من أهل الخير، لا تقل خطورة عن تمويل المتعاطفين، والمتعاونين مع تلك الجماعات، إلا أنها تفوقها في الانتشار الجغرافي، على أساس أن شريحة المتبرعين لأوجه الخير تنتشر في كل شبر من مدن وقرى المملكة، فيشكلون فيما بينهم قوة مالية ضخمة، وإن قل حجم تبرعاتهم الفردية فقليل الكثير كثير، وهم يدفعون الأموال بقصد المساهمة في أوجه الخير، دون علمهم بوجهة أموالهم الصحيحة، كما يذهب إلى ذلك - الأستاذ - فضل البوعينين. قبل أيام، كان لهيئة كبار العلماء القول الفصل في إعادة توزيع أموال التبرعات، التي يتم ضبطها بحوزة المتهمين في قضايا الإرهاب، والأمن الوطني، وينتهي التحقيق إلى عدم ثبوت ارتباطها بجرائم تمويل الإرهاب، وإنما يتضح أنها جمعت بطريقة غير نظامية؛ لصرفها على أوجه الخير المختلفة - داخل أو خارج المملكة -، وبعد دراسة الهيئة لهذا الموضوع، فإنها قررت أن ما عُلِم أنها أموال زكوات، أو كفارات، فيجب صرفها في مصارفها الشرعية، وأن ما حدد له مصرف معين، وأمكن صرف هذه المبالغ إليه - من غير ترتب مفسدة -، فيجب صرفها لذلك المصرف، وأن ما جُهِل حاله من هذه الأموال، أو كان محل شك، ولم يثبت تحديد مصرف معين له، يصرف في مصارف الزكاة. ولا شك أن الفتوى ستستدعي تضافر جهود الدولة في ضمان سلامة ونزاهة النظام المالي؛ حتى تكون تلك الأموال مرخصة، وتحت الرقابة، وعرضة للعقاب في حق المخالفة. اليوم، نحن بحاجة ماسة إلى جهد مضاعف؛ لمنع إيصال أموال الناس - أياً كانت مصارفها - إلى تلك التنظيمات الإرهابية. ويكفي - منذ فترة طويلة - أن القرار السياسي لدينا يمنع من تحصيل التبرعات، وأمول الزكوات إلا تحت مظلة القنوات الرسمية. وخطوة كهذه ستعمل - بلا شك - على خنق منابع التمويل المالي، كما ستعمل على تجفيف العناصر البشرية التي تذهب؛ لمساندة الجماعات الإرهابية، - إضافة - إلى تعزيز الإجراءات العقابية في مكافحة تمويل الإرهاب، وملاحقة أعضائها على مستوى الجماعات، أو الأفراد، وذلك من خلال تحديد مصادر، وآليات تمويل الإرهاب، كضبط قنوات مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدام أنظمة الدفع الإلكتروني، والعملات الافتراضية.