ما زال العمل الدؤوب على توسيع الشرخ بين مسيري أمور نادي الهلال وبين جماهيره يأخذ الحيز الأعظم من الوقت والجهد المبذولين على صعيد المشهد الهلالي. لم يعد المشاهد عن بعد يرى خلافاً داخل منظومة واحدة، بل أصبح يتلمس تكوّن معسكرين متناحرين يتجاذبون الهلال يمنة ويسرة حد التمزيق. المشكلة الكبرى في هذا الصراع هي عدم تكافؤ الفرص بين المتنازعين. ففي ما يزيد عن ستة أعوام، تغيّرت تركيبة البيت الأزرق تغيّراً جذرياً. ولم تعد الأمور تأخذ مجراها المعتاد والمتعارف عليه لدى الهلاليين أنفسهم قبل غيرهم. فمصطلح (رجالات الهلال) الذي كرره رئيس هيئة أعضاء شرف النادي الأمير بندر بن محمد لم يعد يرمز إلى ما كان يرمز إليه سابقاً. كان المشهد الهلالي سابقاً يتألف من ثلاثة أقسام تجعل من العمل المقدّم عملاً صحياً منتجاً. تلك الأقسام هي كالتالي ترتيباً وأهميةً: - جمهور الهلال - رجالات الهلال - إدارة الهلال ذلك التصنيف جعل من النادي منظومة حقيقية، فهناك من يقدّم العمل (الإدارة)، وهناك من يستقبله (الجمهور)، وأخيراً يوجد من يشرف على العملية برمتها كجهة حياد تحرص على تحقيق الهدف الأهم (نجاح الهلال واستمرار زعامته) بحيث لا يطغى طرف على آخر، ويعرقل ذلك مسيرة النادي برمتها. طرفا الجمهور والإدارة ما زالا يقومان بأدوارهما، وكل طرف ينادي بحقوقه واحتياجاته. من اختفى عن المشهد هو الطرف الثالث (رجالات الهلال)، والذين لا ينحازون سوى للهلال نفسه ولو كان على حساب أحد الطرفين. (رجالات الهلال) هؤلاء منهم من غيّبهم الموت بعد أن أخذ المولى عزَّ وجلَّ أمانته، ومنهم من تم إقصاؤه عن المشهد برغبة من الإدارة الحالية لعدم توافق الرؤى أو لاعتبارات أخرى، ومنهم من ابتعد طواعيةً و احتجاجاً، وآخرهم انضم تحت لواء الإدارة وأصبح تحت مظلتها. والفئة الأخيرة أصبحت خطراً حقيقياً على منظومة الهلال وتركيبته و مزيّته. فبتخليها عن دورها الرقابي، أصبحت جهة مضادة حقيقية لما يراه الجمهور. وبالتالي نتج عن ذلك كل ذلك الحديث (الدخيل) على الخطاب الهلالي. أيعقل أن يكون صاحب الرأي المعارض من داخل البيت الأزرق دخيلاً؟ أيستساغ وصف أحد أصغر العشاق - فما بالك بالسواد الأعظم من الجماهير - بأنه من المغرّر بهم؟ أي مكسب تبحث عنه الفئة المسيرة لنادي الهلال بهكذا خطاب؟ وأي مكاسب للكيان يرجونها من عداء من يزعمون أنهم لا يعملون إلا لأجلهم، ولا يألون جهداً لرسم البسمة على وجوههم؟ كل ما يصدر الآن من تصريحات وتعليقات من الهلال بشكل رسمي - وإن علاه بعضٌ من التجميل - هو في حقيقة أمره انتصارٌ للذات بأوضح معانيه. الجمهور الهلالي ملّ الوعود، ملّ التسويف، ملّ الانكسارات المتتالية التي لم تعد تخلّف ردة فعل مناسبة لها في الحجم أو المقدار. أعظم ما يخشاه الجمهور الهلالي أن لا تكون هذه الفترة مجرد مرحلة عابرة، فملامح من عشقوه تشوَّهت كثيراً. ولا صبر لديهم في إمعان النظر في شيء لم يألفوه ولا يتمنون أن يعتادوا عليه. الحقيقة الراسخة في كل ذلك الصراع الأزرق، أن ميزان القوى المختل في التعاطي مع الشأن الهلالي لن يقوّمه سوى عودة (رجالات الهلال) بهيبتهم وبعنفوانهم وبرغبتهم الصادقة في تحويل المسار إلى الأجمل. فالانتظار وحده، لن يصلح حالٍ يؤول للسقوط. والحقيقة الأكثر رسوخاً على المشهد الهلالي، أن البيت الأزرق لم يعد ملائماً لسكنى زعيم. فهل يتقلص ذلك المارد ليتلاءم مع سكناه، أم يهب رجالات الهلال لوضعه في منزلته الملائمة؟ ذلك ما سنراه عاجلاً غير آجل. خاتمة... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحراً).