طالعت في عدد (الجزيرة) رقم 15395 مقالاً للكاتب د. محمد عبدالله العوين تحت عنوان (بطالة النساء.. الموت البطيء!) يقول فيه «تمتلئ بيوتنا بمئات الآلاف من النساء بدون عمل بعد نيلهن شهادات علمية في تخصصات جامعية مختلفة، وربما حملن شهادات ماجستير أو دكتوراه، وفي مراحل عمرية تبدأ من العشرين إلى الأربعين أو أكثر بقليل، وتزداد هذه المشكلة قسوة حين تجتمع المعضلتان: البطالة وعدم الزواج! فالفتاة المتزوجة قد تجد ما يملأ أوقاتها في منزلها؛ من اهتمام بأسرتها الصغيرة الناشئة ومتابعة لأطفالها وزوجها وانشغال بشبكة علاقات اجتماعية؛ فلا تشعر بذلك الفراغ القاتل الذي يحاصر الفتاة العاطلة غير المتزوجة». إلى أن يقول: «فإن طال بالفتاة الانتظار بعد التخرّج من الجامعة، فلا زوجاً طرق الباب ولا وظيفة تشغل البال؛ فكيف يمكن أن تملأ ساعات يومها الذي قد يمتد إلى سنوات بما يفيدها ويسليها ويشعرها بأن لها جدوى وقيمة وأثراً في أسرتها الصغيرة ومحيطها الاجتماعي الواسع ووطنها الكبير. أما الوظيفة: فليس العمل فرصة رائعة لتحقيق دخل مادي يعين على قضاء مستلزمات الحياة فحسب؛ بل هو أسلوب نفسي عال وناجع للصحة العقلية والجسدية، وباب واسع مفتوح لخوض غمار التجارب وتحمّل المسؤوليات وبناء الذات وزرع الثقة واكتساب العلاقات وخلق بيئات إضافية من الصداقات قد تتيح فرصاً جديدة أخرى تقود إلى مزيد من المكاسب؛ ربما يكون منها أن تعرف الفتاة فيتقدم إليها الفارس الغائب المنتظر»، إلى أن يختم الكاتب مقاله بالقول: «إن الفتاة العاطلة لا تقل خطورة عن الشاب العاطل؛ فالفراغ قاتل للمرأة وللرجل معاً، الفراغ يكاد يكون سماً بطيئاً يقتل على مدى سنوات، يثبط الهمم ويوطن الكآبة ويقضي على أي تفاؤل بالمستقبل». وأود بداية أن أشير إلى أنني لا أقصد الدكتور العوين شخصياً بقدر ما أقصد هذه الكتابات التي في تقديري الشخصي لم يعد لها مكان في واقع المرأة الجديد في بلادنا. وحتى أكون دقيقاً فسأنقل نصاً من تقرير صدر عن وكالة تخطيط وتطوير الموارد البشرية في وزارة الخدمة المدنية ممثلة في إدارة الإحصاء عن أن نسبة عدد النساء العاملات في الدولة بلغ 38.27 في المئة من إجمالي عدد الموظفين والمستخدمين خلال العام الماضي. وهي نسبة تقترب بقوة من نسبة الرجل في ظل الإصلاحات الكثيرة والتوجه القوي لتمكين المرأة اقتصادياً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله-. وعلى خلفية الإحصاء كشف اختصاصي في قطاع الموارد البشرية، أن توظيف السعوديات يتسم بتزايد مطرد في شكل سنوي متفوقاً على نسبة زيادة توظيف المواطنين «الذكور» في شكل نسبي، حيث إن توظيف المواطنات يتزايد خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بنسبة تتراوح بين 15 في المئة إلى 25 في المئة، بينما تبقى زيادة نسب توظيف المواطنين الذكور سنوياً ما بين 8 في المئة إلى 14 في المئة. كما لا يجب أن ننسى أن استثمارات النساء السعوديات تبلغ نحو 6 في المئة من حجم الاستثمار الكلي للقطاع الخاص في المملكة. وحجم رؤوس الأموال النسائية السعودية في تنامٍ مستمر، إذ ارتفعت خلال عام 2012 إلى 60 بليون ريال. وعدد سيدات الأعمال في الرياض وحدها يزيد على 4 آلاف سيدة. وإجمالي عدد السجلات التجارية المسجلة بأسماء سيدات سعوديات في مختلف مناطق المملكة بلغ عام 2012 نحو 72.494 سجلاً. وإجمالي عدد منسوبات الغرف التجارية في المملكة حتى بداية عام 2012 بلغ نحو 38.750 منتسبةً. هكذا تعطينا لغة الأرقام تعطينا دلالة واضحة على صعود المرأة في المجتمع السعودي وتمتعها بالتأهيل الكافي لدخولها سوق العمل بقوة وجدارة ما سيعود بالفائدة على المجتمع ككل، فلا داعي لمثل هذه الأحاديث التي أصبحت تدور في نقطة قديمة تجاوزها واقع التنمية في بلادنا.