في طريقنا إلى المسلخ، لم أشعر بأي خوف.. بدوت كأنني ذاهبة في نزهة على شاطئ ما لم أره من قبل.. النخيل الذي اصطف على الطريق العاري من رهبة الاختفاء شهد باخضراره مويجات معتدلة الصخب بين صهيل سنابك الموت السوداء.. بعض رطبه سال بعسله على وجنات الأرض الكالحة تحته دونما كبرياء.. ألفة مع الشارع المعبد أمام سيارة الأجرة التي تقلني نحو المسلخ العام منحتني الكثير من السكينة.. قد مر أولادي من هنا قبل سنوات.. كذلك زوجي، و أمي، و شقيقاتي جميعا.. لست أدري ان صرخوا هلعا، أم اعتراهم الذهول.. لست أدري شيئا.. مثل جميع الناس أدركت ان من يسلك درب المسلخ لن يعود، و أن ما يحدث هناك كالذي يحدث في جنة ونار بعد قيامة، لا علم لأحد به.. ولم يكن عسيرا علي ان أفهم اني لن ألتقيهم أحياء هناك، فهذا مسلخ، و قد يكون مصير العجول و الخرفان مترفا إزاء مصيري الذي سيمر بمراحل موت ابن المقفع او الحلاج قبل أن أهمد إلى الأبد.. ودعت بعينين نهمتين كل مظاهر الحياة، الشمس، و النخيل، و العشب الذي نما بشكل عشوائي هنا وهناك.. أرهقتني نظرات السائق الملحة في مرآة السيارة.. كأنه ينتظر مني ردة فعل سوى لامبالاتي الغريبة، وحملقتي في النافذة دون تساؤل أو حتى احتجاج.. - أتعلمين أين أنت ذاهبة؟ - بلى.. - أتعلمين ما يحدث هناك؟ - بالطبع لا.. - هل عاد أحد من أهلك الذي غادروا بسيارتي هذه؟ - لا.. - لم أنت صامتة إذن؟ - لأنني ذاهبة للمسلخ.. - أيتها الحمقاء، إنه ليس جزيرة سياحة.. - اني أراه كذلك.. - عجبا.. - ما العجب، ألست السائق الذي حمل سائق الأجرة السابق إلى المسلخ؟ - بلى - ألن يكون هنالك يوما ما سائق أجرة آخر يأخذك إليه؟ -على الأغلب.. - لم تعش نشوة اقتيادي إذن؟ - لازلت أمتلك الوقت.. - أنا أيضا أمتلك الوقت حتى الوصول، وأتمنى أن تصمت لأستمتع بكل ما حولي الآن.. وقفت السيارة أمام باب أسود كبير موشوم بعشرات الأكف الدامية.. - لم يعد من متعة بعد الآن.. رن صوته مبتهجا ترجلت من السيارة نحو البوابة، و السائق يتبعني بذهول... دلفت المسلخ، وفي رأسي سؤال واحد: - من أوصل سطوري هذه إلى قرائها؟؟