حقق اجتماع الرياض أواخر الأسبوع الماضي رأباً لتصدعات طالت العلاقات بين بعض دول مجلس التعاون، وخرج البيان الختامي هادئاً متفائلاً متوافقاً مبشراً بمستقبل بهي لا محل فيه لتلك الحالة المتوترة بين بعض دوله، ولا بين إحدى دوله ومصر العزيزة. هذا التصالح الأخوي الجميل لم يأت من فراغ، ولم يحدث تطيباً لخاطر، ولا استجابة مجاملة؛ بل كان نتيجة مساع نبيلة حثيثة متوالية، بعضها معلن مكشوف وبعضها الآخر يدور في الخفاء؛ لتقريب وجهات النظر ولإزالة سوء الفهم ولتعديل مسار الاتجاه الفكري والسياسي وتغيير لغة الخطاب الإعلامي عند من يغرد وحده بعيداً عن هوية ومسار دول المجلس ورؤيتها الفكرية واتجاهاتها السياسية ولغة خطابها الإعلامي المتقارب غير المتنافر ولا المتضاد. لقد كشفت أزمة ما سمي ب»الربيع العربي» كم هو مجنح ومحلق بعيداً اتجاه إحدى دول المجلس بحيث ارتمت في أحضان جماعة أدلجت ورسمت ولونت اتجاهها السياسي وأداءها الإعلامي بأيدلوجيتها وأهدافها البعيدة والقريبة، ولهذا كان لزاماً على تلك الدولة أن تعيد النظر في حالة الارتماء تلك، وألا تبقى رهينة لأيدلوجيا جماعة تسعى إلى تغيير المنطقة كلها وإعادة صياغتها وتحويل مساراتها الفكرية والثقافية والسياسية بما يتفق مع « الفكر « الذي تنتهجه وتتبناه ونظر له كبار الجماعة بدءاً بسيد قطب وليس انتهاءً بيوسف القرضاوي. لقد بذلت المملكة جهداً دبلوماسياً فائقاً لإيضاح مخاطر الاستمرار في الحالة المتوترة السابقة، وأبانت عن أن التشنج الإعلامي بين بعض دول مجلس التعاون، وبين قطر ومصر ليس في صالح الأمة العربية، وأن ما يحدث من شحناء إلكترونية وما يتدفق عبر الفضاء التلفزيوني من تحليلات أقرب ما تكون إلى الشتائم لا إلى تفسير المواقف ليست إلا تعبيراً عن حالة غضب ثائرة لا يمكن إلا أن تزيد الفرقة والشقاق بين أبناء المنطقة العربية. إن المنطقة العربية بعامة ودول مجلس التعاون بخاصة تقع قريباً من النيران الملتهبة في منطقتي الشام والعراق؛ فخطر الجماعة التكفيرية الإرهابية الضالة التي تسمي نفسها ب«الدولة الإسلامية» كذباً وزوراً لا يخفى على ذي لب سليم؛ بل إن الجماعة الإرهابية نفسها تعلن أنها تريد أن تعيد « فتح « دول المنطقة وإعادتها إلى الإسلام؛ باعتبار أنهم مرتدون وكفرة، حكاماً وشعوباً، فإن أعلنوا مبايعتهم الخليفة المزعوم دخلوا في الإسلام وإلا وجب قتالهم وحربهم؛ لردتهم ! هذا هو منطق تلك الجماعة الدموية الإرهابية التي جمعت شذاذ الآفاق من كل الدنيا بإغراء دعاوى الجهاد، وما يسمى بالدولة الإسلامية وإعادة الخلافة، وما يمكن أن ينخدع به الشبان المتحمسون المندفعون الذين يصبحون في نهاية المطاف وبعد وصولهم إلى دولة الخلافة المزعومة مباشرة طعماً لموت سريع محقق. لقد أوضحت المملكة العربية السعودية على لسان قائدها الملك عبد الله - متعه الله بالصحة والعافية - في أكثر من مناسبة أن دول المنطقة جميعها بلا استثناء مستهدفة من هذا التنظيم الإرهابي، وأن ثمة خطراً آخر قد يشكل تهديداً بصورة أو بأخرى على دول الخليج بخاصة وعلى العالم العربي بعامة، وهو التغول الإيراني في المنطقة؛ فهو قد أحاط بها من الشمال حيث يقبض على مفاصل الحياة السياسية في سوريا، ويمثل نفوذاً عسكرياً عن طريق حزب الله في لبنان، ويدير العراق سياسياً وعسكرياً، وامتد نفوذه الخطير الآن عن طريق المال والدعم العسكري وتكوين الخلايا السرية إلى اليمن؛ فهي تحيط بالجزيرة العربية ودول الخليج من الشمال والجنوب؛ فإن لم يكن ثمة اتحاد وتعاون وتكاتف وتناس للاختلاف في بعض وجهات النظر؛ لا يمكن درء هذين الخطرين : التكفيري والإيراني اللذين يتناغمان في أدوارهما، وقد يكون بينهما صلات سرية، أو أن الثاني ساعد على تكوين الأول بطرق مختلفة. لقد تجلت الحكمة السياسية السعودية و» أبوية» الملك عبد الله العالية في اجتماع التوافق الخليجي، وأضفت فيضاً من مشاعر الانتماء إلى البيت والأسرة الواحدة.