ما يحدث في سوق العمل اليوم من تحمل للقرارات المتتالية من وزارة العمل أحد أوجه الرخاء الاقتصادي التي جعلت سوق العمل يرضخ بقبول كل القرارات وبكل إيجابياتها وسلبياتها، الامر الذي ابقى الخلل في تركيبة مخرجات التعليم الجامعي والتي هي أساس المشكلة دون حلول ، الجانب المهني والفني هو عصب قطاع الأعمال واحتياجه منها بأعداد تفوق أضعاف ما يحتاجه من التخصصات النظرية التي تتفاخر الجامعات بقبول أعداد كبيرة فيها دون الأخذ في الاعتبار مرحلة ما بعد التخرج ومدى استيعاب تلك التخصصات في سوق العمل, كثير من الشركات تعلن عن مئات الوظائف الفنية ولا تجد ما يسد حاجتها على الرغم من وجود البطالة .. مما يؤكد قصور معالجة الخلل الحاصل في البنية التعليمية وعدم إيجاد حلول حقيقية تنقذ الوطن من مستقبل البطالة القادم بقوة. وزارة العمل وجدت الطريق الاسهل في تصويب قراراتها بقوة النظام تجاه ( الحلقة الأضعف ) وتسجيل نجاحات هي أول من يعرف إنها وقتية وستكون آثارها المستقبلية كارثية إذا ما تعرضت قطاعات الاعمال الى هزات اقتصادية مرتبطة بأسعار النفط ، او بعد اكتمال وانتهاء مشاريع الطفرة الحالية ، ومن الغريب جداً الصمت الحاصل لما يحمله المستقبل من ضبابية ، إحصاءات وزارة التعليم العالي تشير الى أن عدد الطلبة المقيدين في التعليم العالي في المملكة للعام 1434ه وصل إلى 1356602 ، كما وصل عدد الخريجين إلى 141196 طالبا وطالبة وهذا بخلاف الكليات والمعاهد الاخرى وبرنامج الابتعاث ، فهل سيبقى الحل فقط في الضغط على القطاع الخاص والذي تشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة نحو 95% من هيكلته ؟ دون احداث تغيير على مستوى هيكلة التعليم العالي ، والفني والمهني . الحلول الوقتية التي تقوم بها وزارة العمل مستخدمة فقط اصدار القرارات الإجبارية لن تدوم لأن قضية البطالة ليست فقط توظيفا بالأرقام إنما تتطلب عمقا يرتكز على بناء حقيقي للسوق ليس من خلال الإحلال إنما في قيام خطة وطنية تتشارك فيها كل الجهات تعمد الى خلق أعمال وكيانات اقتصادية واستثمارية عملاقة تستوعب مخرجات التعليم بعد ان يتم معالجة تشوهاته الحالية وايجاد مواءمة بين مخرجاته ومتطلبات السوق ، التوسع في استيعاب الجامعات للتخصصات النظرية ، أثر سلبا على التعليم الفني والمهني ، فتحول الاقبال الكبير على كليات التقنية سابقا ، الى عزوف حتى ان كلية بحجم كلية الرياض اصبح جزءا ليس قليلا من مقاعدها للأجانب ، اضافة الى الضعف الذي اعترى مناهج قطاع التعليم الفني. المشكلة ليست في توفر الوظائف بل في نوعية ومستوى التأهيل المطلوب التي لا يقابلها تأهيل حقيقي , ورغم هذه الحقيقة الصادمة لوزارة العمل إلا انها تجاهلت هذه المعضلة واستمرت في سعودة «الأرقام» .. تجاهلت البحث والعلاج في أساس المشكلة واشغلت الناس بالقشور , وبقيت المعضلة الكبرى تحت الرماد ، قطاع الاعمال سيبقى يستوعب قدر الامكان ما دامت مشاريع الطفرة الحالية تدر الملايين، لكن ماذا بعد انتهاء المشاريع الحكومية الحالية ؟ هل سيبقى سوق السعودة الوهمية قائما ؟ وهل ستبقى المنشأة الخاسرة او التي ليس لديها عقود مشاريع تصرف راتبا للسعودي؟ علينا ان نواجه المشكلة وان نتجاوز مجرد تلميع الأرقام والتقارير ، ما نشاهده حاليا عمل هش سينهار يوما ما، لأنه لم يقم على أسس صحيحة ، وعلينا ان نستوعب حجم القضية وآثارها المستقبلية.