في فترة سابقة، ومع انتشار حمى المنتديات الإلكترونية بمختلف توجهاتها (سياسية، اقتصادية، ثقافية، اجتماعية، رياضية.. وغيرها)، كنا نتسابق وقت التسجيل على اختيار الألقاب المعبرة عن توجهاتنا، أو عن الانطباعات المراد تركها في نفوس المتابعين والقراء. لم يكن الهدف أبداً الاختفاء خلف اسم مستعار؛ لكي تبقى الهوية الحقيقية مختبئة؛ فليس هناك ما يدعو للخجل أو الخوف؛ فقد كان مستوى الرقابة الذاتية مرتفعاً جداً لدينا جميعاً، ولا مكان للبذيء أو المخالف للأهداف التي افتُتح لأجلها هذا المنتدى، ناهيك عن الرقابة التي كانت تفرضها المنتديات للحفاظ على سمعة المنتدى طمعاً في زيادة انتشاره. كنا حريصين جداً على صورتنا، لا نريد أن نلطخ تلك الألقاب الرنانة بما يعيبها.. لا نكذب؛ لكي لا نوصَم بأبغض الصفات البشرية. لا نغيّر مواقفنا أو مبادئنا باختلاف المخاطَب أو الحادثة؛ لكي لا نعيَّر بالنفاق أو تقلُّب الرأي. كنا - وبكل بساطة - نحترم أنفسنا، ولا نرضى أن تشوب صورنا أي شائبة أو نقيصة. ما الذي اختلف؟ وكيف وصلنا لهذه المرحلة المقززة من الطرح والفكر وانعدام الحد الأدنى من الأخلاقيات الاجتماعية؟ منذ متى واختلاق الكذبة تلو الأخرى على مخالفيك يُعتبر إنجازاً؟ منذ متى والتراقص على إخفاقات الغير وشتمه والبحث عن فضائحه يُعتبر مقياساً ودليلاً على حبك لناديك؟ منذ متى يفتخر الإعلامي بقرار إيقاف تأديبي، ويعتبره أحد مكاسبه من الوسط الرياضي بعد أن ملَّ صاحب القرار من نشر الكراهية والبغضاء في نفوس الشباب؟ منذ متى وكلما هبط (المغرّد) بأخلاقه ارتفع عدد متابعيه؟ مشهد حزين ذلك الذي تطل به علينا رياضتنا.. مشهد يكاد يختنق من شدة الكراهية والعدائية. تهميش للآخر حد الإعدام. تقريع بالمنافس حد البذاءة. سخرية مستمرة، تنابزٌ لا يتوقف، وتصاعد مطرد في ردود الأفعال، لا يدع لنا كلمة تقال سوى: (ياالله سترك). أعيد وأكرر: إن لصمت وزارة الإعلام اليد الطولى في هذا الانفلات المرعب؛ فمن يقعون تحت مظلتها (واقعاً أو ادعاءً) هم حاملو راية الكراهية. لم يعد الوضع مضحكاً على الإطلاق، ولا يمكن تمريره تحت (جنون كرة القدم). فضرب المشجعين الآخرين في الملعب ليس مضحكاً. وذبح الحواشي وتمزيق النقود لخسارة منافس ليس مضحكاً. وتسمية المواليد الجدد بدافع إشفاء الغليل ليس مضحكاً. استيقظوا.. افتحوا قلوبكم قبل أعينكم وآذانكم.. فبصمتكم وتجاهلكم أصبح متعصبو الأمس محايدين في نظر المتعصبين الجدد. وأصبح عشاق كرة القدم دخلاء على من تلوثت قلوبهم بكراهية الآخر. استيقظوا قبل أن يتصاعد الموضوع إلى حوادث، ينتج منها مصابون أو ذوو عاهات مستديمة، أو حتى وفيات. نعم وفيات!! فهي مرحلة من مراحل التعصب، وقد اقتربنا كثيراً منها بعد أن تجاوزنا الكثير مما يسبقها. إن لم تستيقظ وزارة الإعلام من سباتها، ويتخلص الإعلام المرئي من سذاجته التسويقية المضرة، وإن لم يعد متصدرو المشهد الرياضي إلى رشدهم، فلنستبشر جميعاً بوسط رياضي يتردد فيه اسم وزارة الداخلية كثيراً لتنظيف المجتمع من خطر وشيك. اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد. خاتمة... صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس بالأخلاق تستقم (أحمد شوقي)