بدأ العد التنازلي لموعد تنظيم الانتخابات التشريعية يوم 26 من الشهر الجاري واشتدت المنافسة بين مختلف القائمات الحزبية والمستقلة التي «تتصارع» من أجل 217 كرسياً بالبرلمان الجديد الذي تشير كل الدلائل الى انه سيكون فسيفسائي الشكل واللون، حيث تتقارب حظوظ كبريات الأحزاب السياسية فيما تتضاءل اسهم الصغيرة منها. وبالرغم من اقتراب موعد يوم الإقتراع للتشريعية، الا ان اهتمام الراي العام والنخبة السياسية لا يزال منصباً على الاستحقاق الرئاسي الذي ستجرى دورته الأولى في اواخر شهر نوفمبر المقبل، وأصبح التنافس بين 27 مترشحا متحزبا ومستقلا، مسالة ذات صبغة فلكلورية بالأساس، إذ اختلط العمل الإعلامي الموضوعي، بالدعاية الجوفاء وبالتهجم الأرعن على هذا المترشح أو ذاك، خدمة لمصالح المنافس الذي يدفع أكثر من المال السياسي الفاسد. وفي انتظار ان يبت القضاء في هذه القضية الشائكة المتداخلة النوايا، يتواصل شد الشعر بين قيادات الأحزاب المتنافسة التي تركز برامجها الانتخابية على التصدي لحركة النهضة في محاولة لقطع الطريق أمامها وعدم تمكينها من الفوز بالأغلبية في التشريعية خاصة وأن الحركة لم ترشح أحداً للرئاسية معلنة أنها في انتظار ما ستسفر عنه الدورة الأولى من الرئاسة لتحديد اسم المترشح الذي ستزكيه وستطلب من قواعدها الملتزمة جداً «بتعليمات الشيخ الغنوشي» التصويت له، بعد أن فشلت مبادرتها باختيار رئيس توافقي. فحركة نداء تونس التي لم تعقد مؤتمرا تأسيسياً منذ انبعاثها عام 2012 والتي لا تملك رؤية واضحة للسنوات الخمس القادمة تخصص قياداتها وعلى راسها زعيمها الباجي قائد السبسي، جزءا كبيرا من خطاباتها في اطار الحملات الإنتخابية للتشريعية، على تقديم حركة النهضة في ثوب الحزب الرجعي الظلامي الذي سيقود البلاد في حال فوزه الى غياهب الجهل والتطرف وسيغير النمط المجتمعي للبلاد،،،والقيادات الندائية تعرف جيدا كيف تختار الألفاظ التي تؤثر مباشرة في انفس التونسيين الذين اصبح مجرد ذكر كلمة الظلامية او الرجعية او التطرف موقظا لرعب سكن الأنفس واحتل الأعماق جراء الأعمال الإرهابية المسجلة او التي توفقت الوحدات الأمنية الى افشالها. وفي المقابل، تسعى القيادات النهضوية برئاسة زعيمها الشيخ راشد الغنوشي على تبسيط محاور بيانها الإنتخابي وبرنامجها السياسي للمرحلة القادمة وتحرص على البروز في شكل الحزب المعتدل المتفتح والقابل للراي الأخر بعد ان استوعبت دروس فشلها في ادارة الشان العام بسبب تضاعف الضغوطات التي مارستها عليها المعارضة من جهة واتحاد الشغل باضراباته واعتصاماته القياسية من جهة اخرى. اما الأحزاب الصغيرة فوعودها كثيرة وجامعة لكل مجالات الحياة بالرغم من تواضع امكانياتها ووعي قياداتها بانها مجرد وعود زائفة لم تعد تنطلي على الشعب التونسي. وفي ظل حالة الإحباط التي تسيطر على قلوب اغلب التونسيين، يخشى السياسيون والناشطون في المجال الأهلي والمحللون السياسيون من عزوف الناخبين عن الإقبال على صناديق الإقتراع يوم 26 اكتوبر الجاري، فازدياد عدم الثقة بين النخبة السياسية وعامة التونسيين تضاعفت منذ 2011. في غضون ذلك، يتوجه وفد مراقبي الجامعة العربية برئاسة السفير وجيه حنفي الأمين العام المساعد إلى تونس الإثنين المقبل لمراقبة الانتخابات التشريعية المقرر لها نهاية هذا الشهر،وقال السفير علاء الزهيري مدير أمانة إدارة الانتخابات في الجامعة العربية «إن تونس لديها استحقاقان مهمان الأول هذا الشهر، وهو الانتخابات التشريعية، ثم الشهر القادم الانتخابات الرئاسية ويترأس بعثة مراقبي الجامعة العربية فيهما السفير وجيه حنفي.