إن مبادرات العمل المجتمعي الخيري تعتبر من أرقى وأسمى المبادرات، لارتباطها بالعطاء بدون مقابل، سواء كان عطاءً بالمجهود أو الوقت أو المال. فبالعطاء يتطهر الواهب نفسياً وروحياً فينعكس ذلك على الهبة فتزداد بركتها وقيمتها، وكذلك الموهوب الذي هو محور العملية الخيرية، حيث سيشعر ببركة تلك الهبة فتنشله من واقع لآخر. إن الإحساس بالمواطنة لا يترجم فقط بالأناشيد الوطنية، والأهازيج الشعبية، ولا بإثارة الشغب في احتفالات اليوم الوطني وبفتح الأبواق والمزامير التي تجاهر بمحبة الوطن وبعمق الوطنية. إن المواطنة الحقة هي أحاسيس، وشعور، ونبضات، تترجم إلى واقع من البذل والعطاء، لتشمل أوجهاً مختلفة للخير كرد للدين، لوطن لم يبخل يوماً بكرمه وعطائه. إن البادرة التي قام بها أهالي منطقة جازان في التبرع بتسعين قطعة أرض كهبة لقطاع التعليم، من أجل بناء مدارس عليها، تعتبر قمة البذل والعطاء، ومبادرة غير مسبوقة، ووطنية ترجمت لأفعال رائدة، نرفع لها أيدينا احتراماً وإجلالاً. إن هبة كهذه تعتبر من أفضل ما يبذل للارتقاء بالتعليم، في ظل ارتفاع أسعار الأراضي. لقد تزامنت تلك البادرة مع فترة يعاني فيها قطاع التعليم من تعثر واضح المعالم، حيث المباني المستأجرة المتهالكة، والتدهور في مستوى النظام التعليمي مما حدا بالدولة لأن تخصص مبلغ ثمانين مليار ريال لإصلاحه والرفع من شأنه. إن تلك البادرة تؤكّد رغبة الشعب في دفع عجلة تطوير هذا القطاع المهم مع قيادتهم، فكما يقول المثل «زيادة الخير خيرين». هناك تجارب عديدة في العالم تؤسس لثقافة العطاء وجديرة بالاهتمام والتطبيق. على سبيل المثال التجربة الرائدة والناجحة التي ابتكرها كل من بيل غيتس ووارن بافيتس وتشرف عليها مؤسسة بيل غيتس وتدعى «وثيقة الالتزام بالعطاء»»the giving pledge». تقضي الوثيقة بأن يمنح الشخص 50% من ثروته أو أكثر خلال حياته أو بعد وفاته لمشاريع خيرية. لقد قام 92 ثرياً من أغنى الأفراد في العالم في سبتمبر 2012 التزاماً بهذه الوثيقة وذلك بالتبرع بنصف ثروتهم على الأقل في حياتهم وبعد مماتهم. فها هو مؤسس فيس بوك مارك زوكربيرغ وزوجته يتبرعون بما مقداره 18% من أسهم شركة فيس بوك إلى «المؤسسة المجتمعية في وادي السليكون» بقيمة إجمالية تصل إلى 498 مليون دولار، حيث يعتبر هذا التبرع الأضخم لنظام التعليم الخيري وستستفيد من هذا التبرع مدارس نيويورك العامة بما يعادل 100 مليون دولار. إن الوطن يزخر بالأثرياء، الذي ضخت أوطانهم في أرصدتهم ملايين الريالات، وساهمت في بناء ثرواتهم. لقد آن الأوان ليساهم الأثرياء في بناء أوطانهم ومجتمعاتهم ويقوموا بالتأسيس لهكذا وثيقه «وثيقة الالتزام بالعطاء» من أجل التأسيس لمفهوم وثقافة العمل الخيري المجتمعي. إن الشعور بلذة العطاء لا يضاهيه إحساس وخصوصاً عندما تشعر بقيمة هذا العطاء في الرفع من مكانة ومستوى معيشة الآخرين والمساهمة في الرقي بالمجتمع والرفع من مكانته الحضارية من خلال الرفع عن كاهل ميزانية الدولة في الإنفاق على المشاريع التنموية الاجتماعية. إن البادرة المميزة التي قام بها أهالي جازان يجب أن لا تمر مرور الكرام فهذه بادرة غير مسبوقة مع العلم أن مملكتنا فيها مناطق ومدن كبيرة تفوق جازان ثراءً وتزخر بأعداد كبيرة من الأثرياء الذي للوطن حق كبير عليهم. فلتكن بادرة أهالي جازان لدعم قطاع التعليم هي المنارة التي سوف تنير الطريق لمحبي العطاء والخير لتدشين مشروع أو وثيقة «الالتزام بالعطاء المجتمعي» على مستوى وطني مؤسسي.