أجمع المؤتمرون الذين يمثلون أربع جهات (النظام السوري، إيران، حزب الله، العراق) على أن خير من سيفشل الثورة الخطاب الديني المتطرف، وحين يتخذ حجة لاجتثاث كل فصائل الثورة لمخالفتها الإسلام والبدء بمقاتلتها قبل جهاد النظام؛ فإن ذلك سيكون كفيلاً بنجاح المخطط وإفناء الثوار على اختلاف انتماءاتهم، ثم التفرغ للقضاء على التكتل المتطرف بعد أن تنتهي مهمته! وهكذا تم الاتفاق على إخراج آلاف المساجين والإيحاء لمن يتوخون فيه مخايل الزعامة منهم بتنفيذ هذه المهمة السرية الخطيرة والتصدي لكل الفصائل على اختلاف اتجاهاتها؛ فأطلقت الجهات الأمنية في العراق ألفا وخمسمائة سجين من سجن بوكا بالبصرة لينضموا إلى دولة العراق والشام آنذاك بزعامة البغدادي الذي أحيط علما بمهمته وبأن أفواجا من المقاتلين ستأتيه تباعاً بأسماء سنية حتى وإن كانوا من الطائفة الشيعية وسيسهل لهم الأمن الحصول على وثائق بهوياتهم الجديدة، وهكذا تقاطر إلى التنظيم على دفعات آلاف من المقاتلين من داخل العراقوسوريا وبعضهم من سوريا، ومنهم متطرفون تكفيريون أمضوا في السجون سنوات، ومنهم رجال أمن بهويات جديدة للمشاركة في قيادة التنظيم والقتال معه حسب الخطة الموضوعة له! وكانت الخطة تقضي أن يكون الخطاب المعلن للتنظيم شديد التطرف بحيث يقترب من الخط الخوارجي إن لم يكن خوارجياً بالفعل، بحيث يتسم بالتشدد المبالغ فيه ليجتذب أكبر عدد من الأنصار المتطرفين الذي يتطلعون إلى أن يفرغوا شحناتهم التطرفية على أرض يمتلكونها دون أن يحاسبهم أحد على تطبيق ما يؤمنون به من أفكار شديدة التوحش؛ كالنحر والصلب والجلد والتصفيات الجماعية والقتل على الهوية الدينية أو الطائفية؛ بحيث يتم من خلال هذه النظرة الأحادية الضيقة تصفية واجتثاث كل الجماعات المقاتلة التي لا تتفق معها ولو في الأمور الصغيرة! وهكذا تم تكوين تنظيم «داعش» مأخوذاً من الحروف الأولى ل»الدولة الإسلامية في العراق والشام» وبدأت التطبيق الحرفي للخطة التي لا يعلم عنها إلا القادة الكبار في التنظيم ممن لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، أما الغوغاء والرعاع والأتباع والمندفعون والمتحمسون والمتعطشون إلى الجهاد في شكله المعلن في الخطاب الداعشي فيجهلون المرامي السرية البعيدة للتنظيم. ورأى المخططون أن الانتقال من محيط دولة العراق والشام إلى «الدولة الإسلامية» بزعامة أمير للمؤمنين وخليفة للمسلمين سيجلب أعداداً أكبر بكثير من تلك الأعداد التي تقاطرت إلى دولة العراق والشام؛ لأن لاسم الخلافة والخليفة والدولة الإسلامية بريقا خاصا يخلب ألباب ذوي العاطفة الدينية المشبوبة المجنحة؛ فتم ذلك في الثاني من شوال 1435ه الموافق التاسع والعشرين من يوليو 2014م وقد كان هذا الظن صحيحاً كل الصحة؛ فزادت أعداد المتهافتين على التنظيم الإرهابي الذي أصبح بين ليلة وضحاها وبقدرة قادر دولة خلافة لا تغيب عن ممالكها الشمس حسب خارطتها الحالمة، وبزيادة تقاطر أعداد من يسميهم الإعلام الداعشي «المهاجرون» وبالتحريض وبالترغيب في الهجرة إلى دار الخلافة المتوهمة أصبحت داعش تملك جيشاً ينيف عدده على ثلاثين ألفاً تصدى بدون تأخير لتنفيذ مهمته الأساسية التي كون من أجلها؛ وهي تصفية خصوم النظام السوري بدءاً بجبهة النصرة القاعدية التي تشاركه في التكفير والتشدد؛ وليس انتهاء بالجيش السوري الحر الذي يوصف بأنه ذو توجه علماني، وقد اشتغل تنظيم داعش على تحقيق المهمة الموكلة إليه فقمع كثيراً من الفصائل ودخل معها في حرب شرسة ونحر زعماءها وشرعييها وعلق رؤوسهم على المشانق ومثل بهم وسلم للنظام المناطق التي حررها واستلم من النظام مواقع أخرى للتمويه في عمليات تبادل مدروسة، وتجنب مهاجمة دمشق أو اللاذقية أو القرداحة أو بغداد أو النجف أو كربلاء! وركز اقتحاماته على مدن السنة كحماة وحلب وأدلب ودير الزور والرقة والموصل، وهدد السعودية ودول الخليج؛ ولكنه لم يهدد إيران ولا إسرائيل! هل يحتاج إثبات عمالة «داعش» إلى دليل آخر؟!