تظل ذكرى وذكريات مؤسس هذا الكيان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه استمتاعا استثنائيا. تعالوا بنا نبحر سويا في رحلة مليئة بمواقف وذكريات المؤسس يرحمه الله في مرات حيث تعد واحدة من أهم محطاته في سفراته من والى الحجاز حيث كان يستقبل فيها الوفود من المدن والقرى والهجر ويتفقد من خلالها الرعية ومن أجل ذلك أمر طيب الله ثراه ببناء قصر له كان ذلك في عام 1354ه. مواقف عاشها المعاصرون وقصص يرويها الأحفاد عن الآباء وحكايات دوّنها المؤرخون. المؤسس وصلاة الجمعة في مرات - يقول العم سليمان بن موسى: كان الملك عبدالعزيز غفر الله له واسكنه فسيح جناته يمكث في مرات في مخيمه الملكي من ثلاثة أيام الى اسبوع وفي احدى المرات أدى صلاة الجمعة في جامع الديرة وكان بمعيته ولي عهده الأمير سعود طيب الله ثراه وفي توقف آخر تناول القهوة عند أمير مرات آنذاك الشيخ ابراهيم بن دايل ثم ذهب ومعه بعض حاشيته مشيا على الأقدام من بيت بن دايل جنوب الديرة الى بيت الشيخ عبدالعزيز بن زيد في «باب البر» وجلسوا عند ابن زيد «يتعللون» ويتسامرون ومن ثم غادر الى مخيمه في المدرجية رحمهم الله جميعا. شعراء مرات في حضرة المؤسس - ودائما ما يكون للشعر حضوره في حضرة الملك عبدالعزيز في مخيمه في مرات فقد ألقى الشاعر الشيخ محمد بن زيد الزيد رحمه الله قصيدة رثاء في الامام عبدالرحمن الفيصل والد المؤسس غفر الله لهما بدأها: سبحان من خلق الأشياء ومحصيها قضى المنية في الأنام باريها إلى أن قال: نعى النعاة امام الخير فارتجفت منا القلوب وما كفت ماقيها أما الشاعر محمد بن حمد الزيد فقد رحب بوصول الملك الى مرات حين ألقى قصيدته بين يدي الملك وفي مخيمه بتاريخ 20-1-1358ه نقتطف منها: قدومكم فخر الرعايا ومغنم ونالوا بلقياك الهنا وتكرموا واسفر نجد والربا بقدومكم واقبل وجه السعد والشر يهزم وفي قصيدة اخرى القاها أمام المؤسس في مرات أثناء قدومه من الحج قال: حي الامام وحي القادم الاتي تحية من صميم القلب مراتي نلنا برؤيته الأفراح وابتهجت نفوسنا ما أتى صبح بأوقات الملك والطبيشي وحطب بن دعيج - يروي الشيخ محمد بن عبدالرحمن الدعيج عضو هيئة الاصلاح بمحكمة محافظة مرات عن أبيه عبدالرحمن بن علي الدعيج رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمرات يرحمه الله قائلا: نصب أبي خيمة له في السوق في مرات ليبيع فيها حطبا ووصلت طلائع الملك من (أخوياه) رحمه الله كمقدمة لمجئ الملك الى مرات فأخذوا الحطب دون أن يدفعوا قيمته فذهب أبي الى الطبيشي وكان حينها هو المسؤول ليشتكي ويطلب منه قيمة الحطب ولما كان الطبيشي وأبي لا يعرفان من أخذ الحطب انتظرا حتى وصل الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الى مرات وخيم فيها كعادته فكتب الوالد رحمه الله معروضا وأراد أن يدخل على الملك فمنعه الحراس لصغر سنه فلما علم الملك قال: «خلوه» كررها ثلاث مرات.. فدخل وسلم فقال الملك: «وش عندك يا ولدي» فأخبره الوالد بقصة أخذ الحطب فنادى الملك على حارسه الخاص «بشير» وقال له بالنص: «وده للطبيشي وخله يعطيه ما فرض لسانه «فقام مع بشير وفي الطريق سأله بشير عن قيمة حطبه فقال الوالد: خمسون ريالا فرد بشير قائلا: لا بمائتين وخمسين جزاء لمن أخذ الحطب وعندما وصلوا عند الطبيشي أخبره الوالد بقيمة الحطب فقال له: «أرفع ثوبك لتحمل فيه دراهمك» فوضع الدراهم في ثوبه وأراد والدي أن يعطي «بشير» منها فقال بشير: عيب هي لك ياولدي!! بئر «المدرجية» واستضافة بن دايل للمؤسس - أما الشيخ عبدالعزيز بن علي الدايل يرحمه الله أحد أعيان مرات ورواتها الموثوقين فيروي عددا من المواقف للملك عليه شآبيب الرحمة حين قال: كان أول لقاء لي مع الملك عبدالعزيز عندما كان عمري ست سنوات حينما أتيت مع والدي للسلام على جلالته في مخيمه المعتاد مقابل قصره الذي أمر ببنائه عام 1354ه في مرات والذي بني مكانه الان مقر شرطة محافظة مرات ويضيف بأن الملك عندما ينزل في مرات فان رجاله يجلبون الماء من بئر «المدرجية» التي لا تبعد عن مقر اقامته سوى أمتار وكان رحمه الله يوصي بعدم مضايقة الاهالي عند جلب الماء وأن يعطوا الفرصة أولا للتزود من الماء وكان يردد (الناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ). ريال الفضة - من جانبه قال الباحث و المؤرخ الشيخ عبدالله بن دهيش: لقد كتب عدد من الرحالة والمؤلفين عن تخصيص الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه مرات مكانا للراحة واستقبال الوفود وأمين الريحاني أحدهم عندما قال في كتابه نجد وملحقاتها ما نصه: (وها هو ذا قد أناخ في مرات بلد امرئ القيس فجاءته الوفود من الوشم وسدير مسلمة عليه وهاهو جالس في فسطاطه يسمع أحد الشعراء يتلو قصيدة في مديح الامام وانتصار جيوش التوحيد) وعن أبرز ذكرياته مع المؤسس قال: في احدى المرات وصل الملك عبدالعزيز الى مرات في طريقه الى مكةالمكرمة وكان أهالي «الديرة» في استقباله والترحيب به كعادتهم وكنت حينها صغيرا مع أبي «يرحمه الله» اتطلع لرؤية «الامام» يرحمه الله فاذا به يقف عند الجموع ويأخذ في توزيع ريالات الفضة عليهم فكان نصيبي ريالين ضاع أحدهما وسط الزحام ومن ثم توجه الى بيت الأمير وكان وقتها «بن عمران» رحمه الله فتقدم منه أبي وسلم عليه ودعا له واستحضر على عجل بعضا من ذكريات مشاركته في أكثر من ست غزوات كانت معركة جراب (1333) ه إحداها وكان المؤسس طيب الله ثراه قمة في التواضع والانصات بعد ذلك أعطى والدي مبلغ (27) ريال فضة وعاد واعطاني ثلاثة ريالات غفر له ولوالديه وادام عز ابنائه من بعده. وأضاف «بن دهيش» بأن محافظة مرات تتوشح بعدد من الاوسمة الغالية والأولويات أبرزها أن جلالته يرحمه الله أمر بانشاء أول «مبرقة» محطة لا سلكي في مرات كأول مبرقة في المنطقة وكان ذلك عام 1350ه كما أمر ببناء قصر له في مرات عام 1354ه وبافتتاح مستوصف صحي عام 1355ه ومدرسة نظامية عام 1368ه. الإقامة في مرات - ويحفظ الشيخ عبدالعزيز بن حمد المجلي قصة عن والده الشيخ حمد بن عبدالعزيز المجلي عن شيخه عبدالله بن ابراهيم المشرف المعروف «بالمطوع» يرحمهما الله حين يقول: كان المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عند اقامته في مرات يدعو لمجلسه العلماء وطلاب العلم والأمراء والوجهاء والاعيان في مرات واقليم الوشم وسدير ويفتتح مجلسه دائما بآيات من القرآن الكريم وكان من أبرز العلماء الشيخ العلامة عبدالله العنقري الذي يحظى بالقرب من الملك وفي احدى المرات وبعدما اذن الملك بافتتاح المجلس أشار الشيخ العنقري الى الشيخ عبدالله المشرف بالقراءة وكان ذا صوت ندي يملك الالباب ويأسر القلوب فقرأ ثمن حزب من أواخر سورة (ابراهيم) وفي العام الذي يليه وفي مخيم الملك عبدالعزيز في مرات وكالعادة طلب الشيخ العنقري من الشيخ المشرف أن يفتتح المجلس بالقرآن الكريم فلما هم بالقراءة أوعز له الملك بأن يقرأ من حيث توقف العام الماضي عند قوله تعالى {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} (42) سورة إبراهيم. أكثر ما يؤلمني - ويقول الأديب والمؤلف الاستاذ عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي حدثني أبي – وكان أحد رجالات الملك عبدالعزيز رحمهما الله جميعا - فقال: (وأنا في معية الملك عبدالعزيز في غزواته ومعاركه كان أكثر ما يؤلمني صوت بكاء الملك في الهزيع الأخير من الليل وتضرعه الى الله وهو يصلي السحر)! وتضمن كتابه المعنون ب(لمحات من تاريخ مرات) بعضا من قصص الملك عبدالعزيز أيام إقامته في مرات نقلها من رواتها المعاصرون حيث يقول الشيخ محمد بن عبدالرحمن الضويحي يرحمه الله: ذهبت بهدية والدي رحمه الله لتقديمها للملك عبدالعزيز وهو في مخيمه المقابل لقصره في مرات وكانت عبارة عن زنبيل مملوء بثمر الأترنج الفاخر وعند وصولي أخذته مني احدى النساء الخادمات وأفرغته وقالت: «المهدي مغري ياوليدي» فبكيت لأني أريد الدخول على الملك لأسلمه الهدية وعندما شاهدتني احداهن أمسكت بيدي وادخلتني عليه وكان يجلس على كرسي ويلبس نظارة فقلت بصوت مرتفع «ياالله عزه» فأمرني بالسكوت وأدخل يده في جيبه وأخرج نقودا من نوع الريال العربي وأمسك طرف غترتي ووضع النقود بها وربطها وقال اذهب واعطها والدك. وينقل عن الشيخ ابراهيم بن عبدالعزيز الدايل رحمه الله قوله بأن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه كان يستضيف في مخيمه في مرات الأهالي والوفود والأمراء ومشايخ البادية وكانت تذبح أكثر من ثمانين ذبيحة أربعون للغداء ومثلها للعشاء وكان الشعراء من مرات وغيرها ينثرون قصائدهم أمام جلالته ومن أشهرهم كان الشاعر سعد بن حجي ومحمد بن زيد الزيد ومحمد بن حمد الزيد. ومما قال الملك عبدالعزيز غفر الله له أثناء مكوثه في مرات - كما نقل «الضويحي» عن الشيخ ابراهيم يرحمه الله – قوله: «اذا رحلت للغزو وتوقفت في مرات يوم أو يومين ثم رحلت منها فان الله يمدني بالنصر والتمكين وذلك من فضل الله».