منذ أحداث 11/ 9 في نيويورك توجهت سهام النقد إلى الوهابيين، لكنها كثرت بعد الكارثة السورية وظهور داعش المتعمد والمقصود في العراقسوريا. وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن الوهابية ولا عن الوهابيين؛ فلدي مآخذ كثيرة على بعض أفكارها، ومآخذ أكثر على طريقة فهمها وتطبيقها بل حتى توظيفها لهذه الأفكار خدمة لأهداف إما فردية أو فئوية أو حتى سياسية. ولدى الوهابية والوهابيين الآلاف ممن يدافعون عنها وعنهم. ما أريد تناوله هنا هو توقيت هذا الهجوم الكاسح على الوهابية بهذا الشكل. فلو كان هذا الهجوم أو النقد في بداية الثمانينيات الميلادية عندما استفحل أمر المتشددين منهم في الداخل، وبدأت بوادر انتشارهم في الخارج بسبب الحرب الأفغانية، لكنت أول المنضمين لجموع المنتقدين، وقد فعلت؛ إذ حذرت حين ذاك من استفحال خطرهم التنظيمي وخطر فكرهم المتشدد المتزمت الذي قَصَرَ واحتكر فهم الدين عليهم فقط. وقد عانت البلاد والعباد آن ذاك - وما زالت - من هذا الفكر ومن ممارساتهم ما عانت في الداخل والخارج. وأنا لا أدعو هنا للكف عن انتقاد هذا الفكر المتشدد بل أدعو لعقلنة الانتقاد وتقدير الظرف الاستثنائي الذي تمر به الأمة، ومقارعة هذا الفكر المتزمت بالفكر الديني الإسلامي الوسطي المعتدل الذي يبين جوهر وحقيقة دين هذه الأمة، وكذلك نزع ذرائع هؤلاء المتشددين الدينية والاجتماعية عن طريق تفنيدها علمياً، وهذا يقع على عاتق علماء الأمة المتنورين، ونزع ذرائعهم الاجتماعية عن طريق المزيد من العدل والحكمة والحزم في كل مناحي الحياة، وهذا يقع على عاتق الدولة في المقام الأول؛ إذ إنها هي المسؤولة عن حماية المجتمع من هؤلاء المتشددين. إن توقيت هذا الهجوم الكاسح وتزامنه مع هجوم الأعداء المنظم والمركز على الوهابيين والوهابية وتحميل الإسلام السني كل الشرور والكوارث الحاصلة الآن هو ما استفزني وما أود الحديث عنه. إذ إن مهاجمة الفكر الوهابي في هذا الوقت تحديداً وبهذه الطريقة وبهذا التركيز حتى لو كان محقاً في جزء كبير منه هو خدمة غير مباشرة وربما غير مقصودة لأعداء الأمة والوطن والدين من فرس وشيعة ونصيريين وحوثيين وغيرهم، فلقد كانت الوهابية والوهابيون (كما أسماها العثمانيون بذلك عند ظهورها قبل 250 عاماً) هدفاً دائماً لهؤلاء الأعداء الحاقدين منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا للنيل من هذا الدين، وقد كان هذا شأنهم منذ أكثر من ألف عام، وقد ساهم هؤلاء الأعداء الحاقدون مساهمة فعالة في احتضان كل الحركات التكفيرية بدءا من القاعدة في أفغانستان؛ إذ احتضنهم الفرس آن ذاك - وما زالوا - وصولاً إلى داعش التي ساهم الفرس وعملاؤهم الشيعة في استفحال أمرها وتوظيفها ضد الإسلام السني بشكل عام والفكر الوهابي بشكل خاص، وهذا بالضبط ما يقومون به الآن. فهل نساعدهم بهذا النقد المركز وفي هذا الوقت الحرج للوصول إلى مآربهم؟ إن تركيز النقد على الوهابية في هذا الوقت يخدم فقط أعداء الأمة ولو كان بغير قصد، فنحن أكثر من عانى من الفكر المتشدد المتزمت، وأول من يتمنى تهذيبه وتطويره؛ ليواكب متطلبات العصر، لكن ليس في هذا الوقت؛ فهذا ترف لا تستطيع الأمة والوطن تحمله في ظل هذه الظروف حالكة السواد؛ إذ لدينا مهام وجودية أكبر وأهم بكثير من هدم المعبد على من فيه بهذه الطريقة. فمن العار أن نساعد أعداءنا علينا في هذا الظرف الحرج حتى لو كان بغير قصد منا. ثم إن هؤلاء الأعداء لديهم خزعبلات وتطرف ضدنا أكثر بكثير مما لدينا. فالأولوية الآن هي لتكاتف الجهود وتأجيل الخلافات؛ لنتمكن جميعاً من صد أعدائنا ورد كيد الحاقدين، وبعد ذلك فلنتقاتل فكرياً فيما بيننا، لكن ليس الآن، فالمهم الآن هو إظهار حقيقة الفكر الإسلامي المعتدل لمحاربة كل أعدائه من فرس شيعة ونصيريين وحوثيين وداعشيين وغيرهم. هذه هي معركتنا الحقيقية الملحّة التي يجب أن ننشغل بها الآن، أما ما عداها من معارك فيما بيننا فيمكن تأجيلها لوقت آخر.