السؤالُ الأكثر إيلاماً والذي يطرحه بعضُ الأغنياء مُستفتياً فيهِ العُلماءَ في برامج الفتاوى: «هل لوالديّ حقٌ من زكاتي..؟».. سُبحانَ الله!.. إذا كنت تعرف وتعلم يقيناً أنهما بحاجةْ فلماذا تقعد عن مساعدتهما خارج إطار الزكاة! أنتَ لم تستفتِ إلا لعلمك أنّ والديك بحاجة فلماذا تتركهما تحت رحمة زكاتك! لماذا تضطرهما للعوز! .. أما تخجل وأنت تسألُ هذا السؤال؟! أم ترى أنّ زكاتكَ برّاً بهما! إن كُنتَ تظنُ ذلكَ فقد خِبتَ وَخابَ سعيُكْ، وَلتعلم أنَّ نفقتكَ عليهما واجبة! وَلن أسرد عليكَ ياسيديّ حقهما عليكَ ولا واجبكَ نحوهما لأني أخالكَ فقيهاً بذلك! ولن أُحصي لكَ الآيات والأحاديث النبوية التي تحثُّ على البر والإحسان إليهما لأنني لا أتصوّر مُسلماً يجهلها! ولن أشحن عاطفتك بالموشحّات والأشعار في حقوق الوالدين لأن الإحساس ينبعُ من القلب ولا يُشحَن! لكنّيّ سَأُذكرَكَ بأنّ أولَ إقامةٍ لكَ على وجه الحياة كانت مكفولةً بالحُبّ والحَنان وَالتصبّر! إقامةٌ كاملةُ الرعاية ولا منّة فيها عليكْ! كُنتَ مُقيماً في رحم أمكّ تُشاطرها المطعمَ وَالمَشربَ وَتستهلكُ بعضَ صحتها وَكَثيراً من تألُقها وَطاقتها! كُنتُما تقتاتانِ من كَسبِ أبيك وَربما بشيء من كسبها معهْ! كُنتَ تتمدّد شبراً.. شبراً أمامها لتحملكَ في بطنها تسعاً وَهناً على وَهن وَ لا يخفى عليكَ ماقاستهُ وَ عانتهُ لتخرجَ إلى الدُنيا! وبعد تشريفكَ إلى هذهِ الحَياة رَضعتَ من لَبنها محبّة منها لكْ وَرحمةً وَشفقة وَلم تنوِِ حليبها زكاةً لكْ! رَبوتَ بأحضانِ والديكَ يكسيانك وَيُطعمانك ويُسقيانك ويُمتعان قلبك وَروحك بملذات الحياة مودةً لك وَشَغفاً بك وَعَطفاً عليكْ! وَاليومَ حينَ اشتدّ عُودُك وَاستقامَ ظهرك وَعَلت قامتك وربما كَبُرَت وَجاهتك وَتضاعفت أموالك، تُساوي حقهما من مالك بحقّ الفُقراء والمساكين!! أيُّ قلبٍ تحملهُ بربّك! إن هذه الزكاة التي ستدفعها لهما إن علما بأنها زكاة فستكون حُرقةً عليهما وَغبناً وَقهراً, فَفرقٌ أن يظنّا أنهما يُشاركانك مالكْ كما شاركتهما في صغرك أدقَّ تفاصيل معيشتهما وبين أن يكونا فقراء تتحنّن عليهما بزكاتك! إنهما ينتظران أثرَ تربيتهما عليكْ بعد أن أفنيا عمرهما في رعايتك وَتهيئةِ كافّةِ السُبلِ لتدرسَ وَتنجحَ وَتعمل وَتجمع ثروتك وَتِذيقهما من نجاحكَ ما تعولُ به عجزهما لاماتَتفَضّلُّ عليهما بهِ من زكاتك! يقولُ العلامة ابنُ باز رحمه الله: «أما الأم والأب والأجداد والأولاد وأولادهم فلا تصرف فيهم الزكاة, والواجب على المسلم أن ينفق عليهم من ماله لا من الزكاة, فالزكاة تصرف إلى غيرهم, أما والداه وأولاده وزوجته فالواجب أن يصرف عليهم من ماله لا من الزكاة». وَسُئلَ العلامة ابن عثيمين رحمه الله.. أنَّ رجلاً يريد أن يعطي زكاتهُ لوالدته لأنه لايُنفق عليها والقائمُ عليها والدهُ لكن والدهُ يُقصر في نفقته عليها فأجابَ رحمهُ الله: لا يجوز لك أن تدفع الزكاة إلى أمك، بل الواجب عليك أن تحسن إليها، وأن تبرها بما يقصر به والدك، ولها أن تأخذ من مال والدك ما يكفيها وولدها بالمعروف. وإذا كان على الوالدين دَينْ فيقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ذلك: «لو كان للإنسان أقارب لا يحتاجون الزكاة في النفقة، لكن عليهم ديون فيجوز قضاء ديونهم، ولو كان القريب أباً، أو ابناً، أو بنتاً، مادام هذا الدين الذي وجب عليهم ليس سببه التقصير في النفقة». وَحديثُنا الآنف للميسور وَالغَنيّ أما المُعسر فقد كان لابن تيمية رحمهُ الله رأيٌ في ذلك فقال طيّب اللهُ مثواه «ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا وإلى الوالد وإن سفل إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم..»* «مجموع الفتاوى» أسألُ الرحيم الحنّان أن يُحنّنَّ قلوبنا على والدينا وأن يعيننا على برّهما والإحسان إليهما إنه الوليُّ على ذلكَ والقادرُ عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحابته أجمعين.