من الأخبار غير السارة والمؤلمة التي تنشرها بعض الصحف وتتناقلها وسائط التواصل الاجتماعي التقني الأخبار المزعجة عن اعتداء الأبناء على والديهم ليس قولاً ولا رفساً ولا ركلاً والعياذ بالله بل قتلاً وحرقاً وبطريقة انتقامية بشعة تشمئز منها النفوس وتضيق منها الصدور، وقد أصدرت الجهات المختصة إحصائية عن ثمانية أشهر فقط عما سجلته المحاكم السعودية بخصوص عدد الدعاوى التي تقدم بها الآباء نحو الأبناء التي وصلت إلى (199) مئة وتسعة وتسعين دعوى عقوق مرفوعة من الآباء ضد أبنائهم وهذه الدعاوى بكل تأكيد ليست هي الحصر الكامل لهذه المشكلة لأن بعض الآباء يريد الستر على نفسه وآل بيته، وصنف آخر وهم كثير يصبر ويحتسب لأن العاق ابنه وفلذة كبده ولا يريد قطع هذا الجزء من كبده، ولكن الأبناء وكما قيل في الأمثال: «قلبي على ولدي انفطر وقلب ولدي علي حجر « أقول: إن هذه الأرقام ليست المحصلة النهائية، ومن المؤكد أن العدد أضعاف ما أعلن، لكن هذا هو عدد من تقدم وبلغ عن المشكلة التي يعانيها من عقوق ابنه وهي بلاشك تختلف من الاعتداء اللفظي والفعلي إلى الحرمان والهجر وخلافه، ولم يقف الأمر عند هذا الفصل بل تعدى ذلك إلى قيام عدد من الأبناء برفع قضايا حجر على آبائهم حيث وصلت هذه الدعاوى إلى سبع وعشرين قضية منظورة أمام المحاكم وهي صورة من صور العقوق مع الأسف حينما تكون بعض المطامع المادية سبباً في طلب الحجر على الآباء!! أين هؤلاء مما أمر الله به عزوجل حين قرن الإحسان إلى الوالدين بعبادته فقال عز من قائل سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (23) سورة الإسراء، وجعل الشكر له عز وجل مقروناً أيضاً بشكر الوالدين فقال سبحانه وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان، هذا التكريم الكبير من الله عزوجل للوالدين يوجب التقدير والاحترام والإجلال والإيثار على النفس وتقديم حق الوالدين على حق الإنسان نفسه فلهم المنزلة العالية والمكانة السامية التي لايخل بها إلا إنسان منهم في عقله أو في دينه، فالبر بالوالدين من أحب الأعمال إلى الله عز وجل - فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب؟ قال: الصلاة في وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) متفق عليه، وعن أنس قال: (أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد) متفق عليه. إن من المؤسف والمزعج أن نسمع ونقرأ عن أخبار العقوق فكيف بالاعتداء والإيذاء وإزهاق أرواح الوالدين وإذا كانت الإساءة إليهم قولاً وعملاً كبيرة من الكبائر فكيف تقبل النفس المسلمة إيقاعه ومع من؟ مع الأب والام اللذين هما جنة ونار الإنسان كما قال - عليه الصلاة والسلام - حينما سُئل: ما حق الوالدين على ولدهما؟ فقال للسائل: (هما جنتك ونارك)، والهداية من الله - عز وجل - بلا شك ولكن بعض الآباء والأمهات يجنون ثمرة سوء التربية لأبنائهم فعدم إحسان التربية، وعدم مساعدتهم في اختيار الصحبة الصالحة، وعدم الدعاء بالبركة لهم، والإنفاق عليهم بنفس طيبة، ومن مأكل طيب ربما كان سبباً في ظهور بعض الحالات السلبية وهذه الكبائر والمصائب التي يشيب الرأس من سماعها وقراءة أخبارها، والله إنه لأمر محزن وموجع فعقوق الوالدين من أكبر الكبائر وجريمة كبيرة وسيئة عظيمة عقوبتها منتظرة من رب العالمين في الدنيا والآخرة. ويكفي من ذلك الحديث الذي يقول: « ثلاثة لاينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان»، وأعود وأقول: إن على الآباء أن يكونوا عوناً لأبنائهم على البر بهم وصلتهم وعدم عقوقهم وذلك بالبعد عن المسببات والبواعث للخلق غير الحسن فلا إفراط ولاتفريط ويجب البعد عن اللين المفرط والقسوة المفرطة أيضاً. إن من سمات مجتمعاتنا الإسلامية التي يحث عليها الدين الحنيف التواصل والبر والاحترام للوالدين، ولكن مع الأسف أصبح لدينا حالات سيئة تضاهي الغرب في ماديته وعقوقه في هجر الوالدين وقطيعتهم وعدم البربهم وتركهم في الملاجئ والأربطة أو بمفردهم في منازل مع الخدم، وتعدى ذلك مع الأسف إلى المطالبة بالحجر عليهم قولاً وعملاً. والإساءة إليهم بدلاً من الإحسان إليهم، وهو عمل ذميم وخلق سيئ تأباه كل فطرة سوية، فإذا كان من الجميل والواجب الإحسان بالمعروف لمن أسدى إليك جميلاً فإن من أوجب الواجبات المستحقة لرد الجميل هما الأم والأب. فنسأل الله العافية والهداية لشبابنا وأن يصلح أحوال الجميع.