يقول الله تعالى :{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21 سورة الروم). إن نعم الله تعالى على عباده عظيمة لا تعد ولا تحصى، ومن نعمه سبحانه: نعمة الزواج التي امتن الله بها على عباده المؤمنين ذكورهم وإناثهم، وجعلها من سنن المرسلين {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (38 سورة الرعد). ففي النكاح امتثال أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه اتباع سنة الرسل صلى الله عليهم وسلم أجمعين، وفيه قضاء الوطر، وتحصين الفرج، وحماية العرض، وفيه المحبة والاستقرار، كما أنه الوسيلة الطبيعة لبقاء الفرع واستمرار الحياة، وبناء الأسرة في ظل الأبوين اللذين يقومان برعايتهما والحدب عليهما حتى تصير دعامةً صالحةً لبناء المجتمع المتماسك الصالح، ولقد جاءت الآية الكريمة التي استمعنا إليها في معرض الدلالة على كمال قدرة الله، وتمام رحمته بعباده أن خلق النساء ليسكن إليهن الرجال، وجعل بينهما الميل الغريزي، وهيأ لكل منهما ما يمكنه من أداء وظيفته تحقيقاً للحكم، فسبحان الخالق المنعم الوهاب عظيم الرحمة بالعباد. ومن أجل تلكم المصالح المتقدمة رغب الشرع في الزواج، وحث على تيسيره وتسهيل سبيله، ونهى عن كل ما يقف في طريقه أو يعوق مسيرته، كعضل النساء: أي منعهن من الزواج بالكفء، فإذا تقدم للمرأة خاطب مرضي الخلق والدين لم يوافق الولي؛ لأسباب غير وجيهة، وهذا في الحقيقة من قصور نظر الولي، أو من تأثير بعض النساء، والولي مخطئ هنا ومعرض نفسه للسؤال بين يدي الله يوم تخاصمه موليته، وإلا فها هو قدوة الخلق وصفوة البشر - صلى الله عليه وسلم - زوَّج بنت عمه القرشية زينب بنت جحش وكانت من أجمل النساء، زوجها زيد بن حارثة - رضي الله عنه -، ومن معوقات الزواج - أيها المؤمنون -: ما هو معروف عن بعض الفئات من المغالاة في المهور والزيادة فيها إلى حد كبير أصبح معه عسيراً على كثير من الناس، وهذا خلاف السنة، فإن السنة تخفيف المهر وتسهيله، وهو من أسباب بركة النكاح والوئام بين الزوجين، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة، وقد تزوج رجل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بنعلين فأجاز له النبي - صلى الله عليه وسلم - نكاحه. وثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم -زوج رجلاً فقيراً امرأة بما معه من القرآن، وأخرج الإمام أحمد والبيهقي والحاكم أن من يُمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير زواجها، ولو كان في المغالاة في المهور خير لكان أكثر الناس مهرا نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، ومن مظاهر المغالاة : مطالبة الزوج بتأثيث البيت بالأثاث الفاخر، وتكليفه بشراء الأقمشة والحلي الباهظة الثمن، وغرض ذلك كله التفاخر. ولكي يكون الزواج مباركا موفقا فإن على أصحابه أن يتقوا الله فيه، وأن يجعلوا الشرع المطهر حاكماً على أعمالهم فيه، فما وافق الشرع فعلوه، وما خالفه تركوه، وإن مالت إليه النفوس واعتيد فعله. وليحذروا المبالغة في إعداد الولائم، الأمر الذي يصل إلى الإسراف الممقوت ولتبذير المحرم ولقد كانت وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج صفية طعاماً في جلد صغير، كما كانت وليمة علي - رضي الله عنه - حين تزوج فاطمة - رضي الله عنهما - تمراً وزبيبا، وإذا بقيت من طعام وليمة بقية فابحث لها - أيها المسلم - عن المحتاجين الذين يفرحون بما يأتيهم. إن كل عمل خولف فيه أمر الله وعصي الله فيه فلا خير فيه وآخر شأنه الفشل، ولذا ما أكثر ما نسمع عن حالات الفشل في الزواج والطلاق، فاتقوا الله - عباد الله -، وراقبوا الله في كل أفعالكم وتصرفاتكم، يوفقكم الله في الدنيا والآخرة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7 سورة الحشر).