نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    الأمر بالمعروف بجازان تنشر المحتوى التوعوي "خطر الإرهاب الإلكتروني" في واجهة بوليفارد صبيا    جوارديولا: لعبنا بشكل جيد أمام إيفرتون    القبض على المسؤول عن الإعدامات في سجن صيدنايا بسوريا    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ 3مليون    تعليم الطائف يدعو الطلبة للمشاركة في ﺍﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ التي تنظمها ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﻦ    مجلس التعاون الخليجي : هضبة الجولان أرض سورية عربية    وفرت الهيئة العامة للعناية بالحرمين خدمة حفظ الأمتعة مجانًا    السعودية تكمل استعداداتها لانطلاقة «رالي داكار 2025»    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    مدرب الكويت بيتزي: سنلعب للفوز أمام قطر لضمان التأهل لنصف النهائي    منصة "راعي النظر" تدخل موسوعة "غينيس"    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    مصر تدين اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي المسجد الأقصى    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    التميمي يدشّن حزمة من المشاريع التطويرية في مستشفى الإيمان العام    في أدبي جازان.. الدوسري واليامي تختتمان الجولة الأولى من فعاليات الشتاء بذكرى وتحت جنح الظلام    طارق السعيد يكتب..من المسؤول عن تخبطات هيرفي؟    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    أفراحنا إلى أين؟    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين النّقص .. والكمال
قصة قصيرة
نشر في الجزيرة يوم 25 - 07 - 2014

بدأ علي حياته العملية معلماً بكل جدّيّة وإخلاص وتفانٍ وانضباط، حتى أصبح يُضرب به المثل في الالتزام بالدّوام، كذلك كان حريصاً على اتباع طرق التدريس الملائمة والجديدة، وعلى المشاركة في مختلف الأنشطة داخل وخارج المدرسة، لكنه رغم كل ذلك كان غير قادر على كسب حب ومودة زملائه المعلمين، ولا حتى طلابه! بسبب جديّته المطلقة في كل الأحوال والأمور، وقسوة ألفاظه، وعدم مراعاته لمشاعر الآخرين، وافتقاره للباقة في تعاملاته، وكل ذلك باسم (الحق يجب أن لا يُغضب أحداً)..
ولمزاياه العمليّة سرعان ما أصبح وكيلاً في إحدى المدارس، لكن بسبب (افتقاده لحس اللباقة) ازدادت الخلافات بينه وبين المعلّمين والطلاّب، بسبب تشدّده الزّائد عن الحد، وعدم تقديره للظروف والمواقف الإنسانية؛ إذ يتعامل مع الكل بسوء الظن، ثم أصبح مديراً لمدارس عدة، وعبر كل مراحل ومحطات عمله في التعليم لم يخرج بعلاقة صداقة دائمة واحدة.. لا مع زملائه المعلمين، ولا مع طلابه! والسبب أن مزاياه (العملية) التي اختصرت له المراحل، بكل جدارة واستحقاق، وبشهادة كل من عمل معه، لم تغطِ على (نواقصه الإنسانية) التي جعلته يبقى وحيداً كما كان منذ طفولته، بلا أصدقاء حقيقيين بعمق وقرب مفهوم الصداقة. هذا كله وعلي كان يبادر بإجراء الاتصالات - وبكثرة ملحوظة - بكل زملائه، بل يكرر الزيارات لهم بشكل مستمر، حتى دون موعد مسبق، بل يحرص على مشاركتهم مشاوريهم الخاصة، واصطحابهم في مشاويره الخاصة، وكل ذلك ليكفر عن أخطائه (اللا إرادية)! لقد كان علي يشعر (باختلافه السلبي) عن الآخرين، لكنه كان يكابر كثيراً، ويعترف قليلاً..
هذا التناقض الذي عاشه علي في محيطه العملي كان يعيشه أيضاً في محيطه الاجتماعي، في علاقاته بأقاربه عموماً، فكثيراً ما ارتكب أخطاء جسيمة في حق أقاربه كباراً وصغاراً (مثل أن ينهر من هو أكبر منه سناً، أو أن يضرب من هو أصغر منه سناً وبعنف! لأسباب تافهة)، وكانت أخطاؤه تلك محل انتقاد من كل العقلاء.
كان العقلاء يرونها (حماقات)، لكنه كان يراها ويسميها (حق ورجولة)، وكان كل من يناقشه محاولاً إقناعه بخطأ أفعاله يصل لقناعة أن الرجل يعاني (خللاً) ما في فهمه ونظرته للأمور وطريقة التصرف حيالها، ونتيجة لذلك أصبح علي مهمّشاً اجتماعياً لافتقاده الحكمة وحسن المشورة، وأيضاً لحدة آرائه وتهور قراراته وتشدده في النظر للأمور ومعالجتها. وكان علي يشعر في داخله بذلك، فكان يحاول تعويض ذلك من خلال المبالغة في أداء الواجبات الاجتماعية؛ إذ عُرف بين أقاربه بكثرة زياراته المفاجئة، وبدون موعد مسبق، وأيضاً عُرف بحضوره المناسبات العامة والخاصة حتى بدون دعوة، بل حتى الطلعات الخاصة ببعض أقاربه مع زملائهم وأصدقائهم يحرص على المشاركة فيها!.. كل ذلك ليبدو كوجه اجتماعي مألوف.
كان علي منذ طفولته لا يحب أن يرى أن هناك من هو أحسن منه، في الملعب، أو في الفصل، ثم تطور الأمر معه حتى في مرحلة العمل، بل داخل المجتمع؛ إذ كان يتصيد أخطاء من يشعر بأفضليتهم عليه، ويكثر من الحديث عنها، والتركيز عليها وتضخيمها.
علي الرجل العملي الناجح كان (إنسانياً) عكس ذلك تماما، كان مختلفاً عن الناس حتى في أحاديثه؛ فهو كثير (المن) بما قدمه ويقدمه للآخرين، سواء معنوياً أو مادياً، وسواء للزملاء أو الأقارب، كذلك كانت كل أحاديثه عن الرياضة وأنظمة التعليم؛ إذ يكاد يكون مرجعاً فيهما، ولا تكاد تسمع في أحاديثه القصص الاجتماعية المألوفة بين الناس وما تحويه من مصطلحات مثل (أمي وأبي وأخي وأختي)..!!
هذه الأوراق تساقطت من شجرة حياته منذ الطفولة، منذ افتراق والدَيْه، وزواج كل منهما، فعاش خارج الحضن (الإنساني) الطبيعي (الأسرة) بكل ما تمنحه للإنسان من حنان وعطف وحميمية مشاعر ورقة ورحمة ولغة لينة وحس إنساني؛ لذلك نشأ علي مختلفاً عن أقرانه، كان قاسياً في مزاحه، شرساً في تعامله، جافاً في ألفاظه منذ طفولته؛ ولذلك عاش بلا أصدقاء؛ إذ كانت كل علاقاته علاقة ملعب، أو عمل، أو طريق.
حاول علي الاستفادة من التطور العلمي؛ فحضر كثيراً من الدورات في (تطوير الذات) و(التفكير الإيجابي)، وغيرها من الأفكار السلوكية الجديدة، لكن علي ظل على ما هو عليه، فرغم مرور السنوات وتقدم العمر، ورغم كل التجارب والمواقف الحياتية، ورغم كل تقدم العلم، لكن (نقص الحس الإنساني) كان يهزمه دائماً؛ إذ يظهر رغماً عنه على شكل ألفاظ أو تصرفات لا إرادية، وفي كثير من المواقف الأسرية والاجتماعية والعملية، فعاش علي عمره كله في صراع عنيف بين (نقص) نشأ عليه، وكمال يرنو إليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.