نستطيع أن نتحدث عن قيم الرحمة والعدالة والتسامح في الإسلام، لكن ما يبقى في ذهن معظم الناس غير المسلمين عن الإسلام للأسف هي الصور المرعبة التي تعج بها مواقع الإنترنت والإعلام عن داعش، عندما تذبح الناس وتحرقهم أحياءً وتُكوِّم الجثث كما لو كانت بضاعة تالفة، وصور جماعة بوكو حرام النيجيرية عندما تختطف - باسم الإسلام - الفتيات وتقتل الناس! نحن المسلمين نعرف أن ديننا يُحَرِّم قتل النساء والأطفال حتى في الحروب، ويُحَرِّم الظلم والاعتداء على الأبرياء وأننا مأمورون بأن نبدأ كل أمورنا ب «بسم الله الرحمن الرحيم»، لكن الصورة الذهنية القاتمة التي تكونت في أذهان غير المسلمين هي ما صنعته اعتداءات داعش والنصرة والقاعدة وبوكو حرام وأخواتهن من المنظمات التي تقدم نفسها للعالم على أنها تمثل الإسلام الصحيح. يمكننا أن نقول للعالم إن هذه المنظمات لا تمثل الإسلام، لكن من يصدقنا عندما تتكرر مرة بعد أخرى تلك الحوادث الشنيعة المرعبة التي ترتكبها منظمات ومجموعة تنسب نفسها للإسلام؟ نحن في زمن يلعب الإعلامُ فيه الدورَ الأساسي في تكوين الصورة الذهنية بصرف النظر عن الحقيقة. فإسرائيل تمارس القتل في غزة وفي كل المناطق الفلسطينية دون أن يولي العالم جرائمها ما تستحقه من اهتمام. وسبب ذلك ليس فقط تأثير الموالين لإسرائيل في الإعلام العالمي، لكن أيضاً لأنها تقدم نفسها بدهاء وخبث إلى العالم على أنها مظلومة ومحاطة بوحوش وإرهابيين يقتلون بعضهم البعض قبل أن يقتلوا غيرهم! هذا الدهاء الإسرائيلي يقابله غرور وجهل من المجموعات التي تنسب نفسها للإسلام، فهي تختار أبشع الأساليب البدائية التي تقشعر لها الأبدان عندما تقتل خصومها حتى من المسلمين أنفسهم. إن داعش، على سبيل المثال، لا تنكر صور الفيديو المرعبة التي نراها في اليوتيوب، بل هي نفسها التي توزعها وتعتقد أن التمثيل بجثث الخصوم وحرقهم بالنار وتنفيذ الإعدامات الجماعية العلنية بطولات مشرفة! ولو أن ذلك يتم على يد منظمات وجماعات ذات أيديولوجيات غير دينية لقيل إن المافيا والعصابات الإجرامية تفعل مثل ذلك وأكثر! أما أن ترتكب ذلك منظمات تزعم أنها إسلامية فهذا ما يسيء الإسلام ويكرس الصور المغلوطة عنه. هذه الممارسات التي ترتكبها داعش وأخواتها تطغى على المشهد الإعلامي العالمي، فتخفي المظالم والمجازر التي يتعرض لها المسلمون في فلسطين وفي بورما وفي جمهورية إفريقيا الوسطى وغيرها. بل إن بعض الكتابات الغربية تستبق نتائج أي حدث إرهابي يكون أحد أطرافه إسلامياً فتنحي باللائمة على المسلمين قبل أن تتثبت من الحقيقة. العالم يرى أن الخيط الذي يربط بين تلك الممارسات بين مجموعات متطرفة منتشرة ومتباعدة في أنحاء العالم هو الإسلام، وهذا ظلم للإسلام الذي هو دين الرحمة والسلام. وليس من الحكمة أن يكتفي العلماء الشرعيون والمفتون وقادة العمل الإسلامي باستنكار ما تفعله تلك المجموعات المتطرفة، وإنما بالعمل على تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة التي تم تلقينها لبعض المسلمين فكرَّست ثقافة الكراهية والعداء لكل من يختلف معهم قليلاً أو كثيراً حتى لو كان من المسلمين.