ما أريد الحديث عنه هو واحد من المشاكل الكبرى التي تنخر في قلب الدوائر الحكومية، وحديثي موجّه بالخصوص لوزارة الخدمة المدنية لمعالجة مشكلة تتعلّق بسيكولوجية الموظف وخصائصه النفسية حينما يكون على رأس عمله، وما يصاحب كثير من الموظفين من شعور طاغ بعلو نرجسيته أمام مراجعيه، وما يصاحب المواطن الذي يراجع الدائرة الحكومية من دنو نرجسيته أمام مثل هذا الموظف الطاغي، الغريب في الأمر أن الدور ممكن أن يكون عكسياً، حيث يلعب هذا المواطن الذي يراجع دائرة ما دور المتسلط حينما يكون على رأس عمله، ويلعب ذلك الموظف المتسلط دور المستضعف حينما يراجع دائرة ليست بدائرته، وهكذا يعيش كل منا طورين، طور المواطن المستضعف حينما يكون مراجعاً وطور الموظف المتعالي حينما يكون مسؤولاً. هذه الظاهرة حاولت وزارة الخدمة المدنية معالجتها لسنوات طوال وسنَّت في ذلك لوائح عقابية وأخرى تحفيزية لأجل إصلاح سلوك الموظفين في موقع المسؤولية، ولن أعدد المحاولات الإصلاحية التي سنَّتها وزارة الخدمة المدنية لأجل تعديل فساد سلوك الموظفين، ولن أعدد الأسباب التي تدفع بعض الموظفين للتجرؤ على خرق الانضباط في العمل، والتي على قائمتها استحالة فصل الموظف من عمله مهما كان تسيّبه. على العموم لن أكرر ما قاله الآخرون، وسأختصر مقترحاتي لوزارة الخدمة المدنية في بندين اثنين. الاقتراح الأول: هو تغيير عبارة «الموظف» إلى عبارة «أجير» لأي تقصير، وأظن أن عبارة أجير وردت في نصوص متعددة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليقصد منها أنه فرد يتقاضى أجراً لأجل قيامه بعمل ما، وفائدة هذا التغيير هو نفسي بدرجة أولى وله تأثير على خفض نرجسية الموظف سيما أنه يصحح ما درجت عليه قناعة الموظف من عقله الباطن من أنه «صاحب السلطة» و»صاحب الأمر والنهي» و»صاحب تسهيل الحاجات وصاحب تعطيلها»، ووصف الأجير تنحل الصورة الذهنية للموظف كونه متبختراً على المراجعين لكونه خادماً لهم. الاقتراح الثاني: أن توضع لوحة خلف مكتب أي موظف تحمل عبارات صريحة، تقول «أتقاضى راتباً كي أخدمك»، وهي عبارة تشعر المراجع بمكانته الطبيعية من أن الدولة وضعت هذا الموظف لأجله، وأنها صرفت لهذا الموظف أو «الأجير» راتباً لكي يخدمني ويقضي حاجتي وليس لكي يستعلي ويشعرني بفضله عليّ. هاذان الاقتراحان ذكرتها بشكل مختصر، وبإمكاني تفصيل الحديث عنهما بشكل أكثر إسهاباً، وكل ما أردت الخلوص له هو معالجة الجانب النفسي الذي يصاحب كل من الموظف والمراجع على حد سواء، فكبرياء الموظف يتعالج بتبصيره بمحدودية سلطته، وخجل المراجع يتعالج بتنويره بحقوقه.