كنا صغاراً حينما بدأ صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أعزه الله - حياته العملية بإمارة منطقة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية منذ سنوات مبكرة من عمره المديد - إن شاء الله - حيث كلفه الملك سعود - رحمه الله - بإمارة الرياض بالنيابة عن أخيه الأمير نايف بن عبدالعزيز في 7/11/1373ه لما لمسه فيه من فطنة واقتدار لتحمل مسؤولية عمل إمارة منطقة شاسعة مترامية الأطراف كالرياض وبعد أن أثبت جدارته في هذه المهمة العظيمة عينه الملك سعود أميراً للرياض بتاريخ 25/8/1374ه حتى 7/7/1380ه، حيث استقال من منصبه وفي 10/9/1382ه صدر الأمر الملكي بتعيينه أميراً للرياض مرة أخرى، واستمر فيها حتى تم تعيينه وزيراً للدفاع خلفاً لأخيه الراحل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - أواخر عام 1432ه وكنا نسمع من آبائنا عن مآثره وجهوده وأخلاقه ومواقفه الإنسانية العظيمة ولن أنسى ذلك اليوم الذي رأيته فيه أول مرة في حياتي حين لبى دعوة عم والدي الشيخ عبدالرحمن بن علي آل الشيخ - رحمه الله - وشرف مزرعته المسماة (بالدريهيمة) في نمار جنوب غرب الرياض، وكنت وقتها في العاشرة من عمري تقريبا فكان ذلك اللقاء بداية معرفتي بشخصه الكريم وتواضعه الجم، وقد تولى سموه إمارة الرياض على ثلاث فترات دامت آخرها خمسة عقود وتزيد وهي أطول فترة تولى فيها أمير في منطقة من مناطق المملكة على مدى العصر السعودي الزاهر، وكم كانت سريعة وقصيرة في عمر الرياض الحبيبة التي كانت عشقه وحبه، حيث خدمها بكل وفاء وإخلاص وكان لها وأهلها نبع الحب والعطاء والابن البار وما ذلك إلا خدمة للدين ثم المليك والوطن والمواطن فأحبه أهل الرياض ومنطقتها كافة من حاضرة وبادية لإخلاصه وتفانيه فصار سلمان بن عبدالعزيز حب الرياض الكبير، عاصر - حفظه الله - خلال توليه الإمارة السعيدة خمسة ملوك من اخوانه، سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله أبناء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مؤسس هذا الكيان العظيم وباني مجده التليد - رحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته - وهاهو اليوم بمبايعته لولاية العهد وكونه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع عضداً أيمن بعد الله لأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز - حفظهما الله وأمد في أعمارهما - فكان لهم نعم الأخ الوفي والجندي المخلص والحارس الأمين والابن البار لوطنهوكان بحق عميد أمراء المناطق بالمملكة، وقد أوصل مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية خاصة ومنطقتها بصفة عامة إلى مدارج المدن المتقدمة والمتطورة حضارياً ومدنيا واقتصاديا شأنها شأن سائر المدن والمناطق في المملكة بفضل الله عزَّ وجلَّ، ثم بالدعم السخي الذي يوليه ملوك هذه البلاد لعاصمة ملكهم الخالد - بحول الله - ومدن مملكتهم الفتية وأيضاً الجهود المخلصة المتتابعة والمستمرة من سمو أميرها المغوار صاحب الهمة والأفكار النيرة البناءة والخطط المدروسة والنظر الثاقب صاحب الحنكة السياسية والإدارية والاقتصادية الذي ترك في عاصمة الوطن الغالي الرياض بصمة كبيرة، فما هذه المشاريع العظيمة التي أنجزت في عهد إمارته وما سوف يتم بحول الله استكمالها مستقبلا إلا نعم من الله علينا ثم ثمار زرع أميرنا الهمام الذي غرسه ويحصده الآن أبناء الرياض والمقيمين على أرضها ولا ننسى الجهود المباركة من سمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله - الذي كان يعمل معه وتحت إدارته وتوجيهاته السديدة سنين طويلة وما قدمه سموه - طيب الله ثراه - للرياض وأهلها من خدمة وإخلاص كان خلال عمله الدؤوب عونا وعضدا بعد الله لأخيه الأمير سلمان ومعهما رجال مخلصون من أمناء مدينة الرياض الذين بذلوا جهدا مميزا يُذكر فيشكرون عليه، كان الأمير سلمان - وفقه الله - ولا يزال فاتحا قلبه وبيته ومكتبه لإخوانه وأبنائه المواطنين فلا يزال النبع الذي لا ينضب والعطاء اللا محدود حبا وإخلاصا فهو متعه الله بالصحة والعافية وطول العمر يبدأ عمله في الصباح الباكر حتى ما يقرب من صلاة العصر مستهلا عمله ببسم الله ومتوكلا عليه سبحانه، مطلعا على ما يرد إلى مكتبه من معاملات تخص المواطنين ومتخذا عليها الإجراء النظامي المناسب ثم يستقبل المراجعين المواطنين والمقيمين، وأصحاب الحاجات من الناس؛ سواء في مكتب سموه في الإمارة أو في قصره العامر فيسمع منهم ويأخذ بأيديهم إلى ما فيه خيرهم وحل مشاكلهم ومعالجة قضاياهم دون تأخير باذلا لهم يد العطاء والمساعدة، فعرف أهل الرياض من حاضرة وبادية صغيرهم وكبيرهم وهو الخبير بمدنهم وقراهم وعوائلهم بل هو تاريخ ومرجع أهل منطقة الرياض والمملكة بشكل عام والعارف بأوديتها وشعابها وهضابها وسهولها وجبالها، وكان يقوم بمشاركة أبناء الرياض أفراحهم وأتراحهم ويزور علماءهم ومشايخهم ويعود مرضاهم ويستجيب لدعواتهم في مناباتهم، بل فتح باب منزله لاستقبال المواطنين في مجلسه الأسبوعي المعهود منذ سنين طويلة حتى يومنا هذا، وقد بارك الله في وقته وعمله وكان قدوة للموظفين والعاملين معه في الإمارة وما يتبعها من إدارات حكومية ويتابع الأعمال والمشاريع بنفسه ويحرص على ذلك فهو صاحب فكرة إنشاء الهيئة العليا لتطوير الرياض، ويرأس مجلس إدارتها وما مشاريع الحي الدبلوماسي والرياض للتعمير ومطار الملك خالد الدولي وتطوير وادي حنيفة العملاق وطريق الملك فهد الذي يشق وسط الرياض بجسوره وأنفاقه ممتدا بروعة تصميمه من الشمال حتى يصل إلى القصيم ومن الجنوب إلى الخرجوجنوبها، وكذلك طريق الملك عبدالله الجميل بتصميمه وطريق مكةالمكرمة الذي يربط شرق البلاد الدمام على ساحل الخليج العربي فالبحرين الشقيق متصلا غربا بجدة عروس البحر الأحمر مرورا بالمشاعر المقدسة وبيت الله الحرام، وذاك استاد الملك فهد الرياض درة الملاعب وهذه الجسور والأنفاق البديعة المنتشرة في طرق العاصمة وهذه حديقة سلام الخلابة ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي بحدائقه ومنشآته وقصر الحكم العتيد وإعادة بناء جامع الإمام تركي بن عبدالله مؤسس الدولة السعودية الثانية وسط الرياض وتطوير الدرعية العاصمة الأولى للدولة السعودية وتراثها المجيد وهذه الجامعات العريقة جامعة الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الماجدة وجامعة الملك سعود وجامعة الأمير سلطان وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن وغيرها من الجامعات انتشرت في الرياض ومنطقتها، وهذه المدن الطبية المتقدمة والمستشفيات التخصصة المتعددة كمدينة الملك عبدالعزيز الطبية التابعة للحرس الوطني ومدينة الملك سعود الطبية ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ومستشفى الملك خالد التخصصي للعيون ومدينة الملك فهد الطبية والمشاريع العظيمة من مدن صناعية ومصانع وسدود وصوامع للغلال والدقيق فانتشرت الزراعة، وتطورت في كثير من المدن والمحافظات المحيطة بالرياض فقامت عليها مصانع لتعبئة التمور وهذه المعاهد وكليات تقنية وفنية وعسكرية وغيرها مما لا يتسع المقال لذكرها، والتي شيدت في عهد إمارته بالرياض بتوجيه من ملوك هذه البلاد العظماء، رحم الله من توفاهم وبارك في عمر الملك العادل عبدالله بن عبدالعزيز فما تلك المشاريع الجبارة إلا بتوفيق من الله وفضل ثم بجهود سموه الكريم وسمو نائبه الأمير سطام - رحمه الله - ومتابعة سموهما الحثيثة، أحبه أهل الياض وبادلهم الحب بالحب والوفاء والإخلاص فكان سلمان ولا يزال حب وعشق أهل الرياض ومنطقة الرياض عامة واليوم، وإن ترك عمله بالإمارة ليخدم مليكه ووطنه وأمته في عمل آخر تحت توجيهات قائد هذه الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أعزه الله - فإنه باق حبه في قلوب أبناء الرياض الصغير منهم قبل الكبير، بل زاد حبه في قلوب جميع أبناء الشعب السعودي النبيل بعد توليه ولاية عهد المملكة العربية السعودية - أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية وأعانه على مسؤولياته الجسيمة -.. سلمان بن عبدالعزيز في العهد الجديد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي صدر أمره - حفظه الله - بتكليف سموه بوزارة الدفاع بعد وفاة أخيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - فأعفي من إمارة الرياض ليخدم وطنه في موقع آخر في 9/12/1432ه وبعد وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد بعد أخيه الأمير سلطان - رحمهما الله - تولى ولاية العهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء إضافة إلى عمله وزيراً للدفاع بتاريخ 28/7/1433ه فبايعه الشعب السعودي النبيل على كتاب الله وسنة نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ثقة بالله، ثم بسموه الكريم الذي لا يألو جهداً في خدمة الدين ثم المليك والوطن فاستمر على ما كان عليه من نهج قويم وسائرا على خطى من سبقوه من إخوانه أبناء عبدالعزيز بن عبدالرحمن ملوك هذه البلاد الطاهرة في استقبال المواطنين وأصحاب الحاجات في بيته ومكتبه، سواء كان في الرياض العاصمة أو في مقر الدولة الصيفي مدينة جدة. وكنت معجباً بإدارته المميزة في إمارة منطقة الرياض ومثابرته وجهوده المبذولة والملموسة في عمله واليوم، وقد زادت أعباء المسؤوليات الجسيمة وعظمت وكثرت مشاغله فرأيته وكأنه بالأمس من سنين طويلة كما هو، سلمان الحكيم صاحب الإدارة الناجح والسياسي المحنك لم تغيّره مراتب الإمارة أو الوزارة أو حتى المناصب والمسؤوليات فهو صاحب القلب الرحيم والرأي السديد والحزم في مواضعه والحكم واللين في مواضعهما الخبير بالشؤون الدولية، كيف لا وهو جليس ملوك عظام وأولياء عهود نبلاء وقبل ذلك كله خريج مدرسة صقر الجزيرة - طيب الله ثراه - تسمع كلامه وأحاديثه عن وطنه من وسطه إلى شماله وجنوبه وشرقه وغربه العارف بها معتز بدينه ووطنيته وبانتمائه العربي المسلم الشهم حاملا هموم أمته العربية والإسلامية واضعا آماله بالله ثم بأبناء شعبه المتطلع لمستقبل مشرق لوطنه الكبير المملكة العربية السعودية وأمته العربية والإسلامية العظيمة، واثقا بالله ومعتمدا عليه سبحانه ثم بأبناء شعبه مشمرا عن ساعديه لخدمة دينه ومليكه وأمته، مدافعا عن مقدساته وتراب أرضه الطاهرة بكل قوة واقتدار بحول الله وقوته، مجلا ومقدرا للعلم مساهما في كل عمل بناء وخير وكل ما من شأنه رفعة لدين الإسلام والمسلمين. ولسموه الكريم العديد من المساهمات الفعالة في المجال الإنساني، فعلى سبيل المثال لا الحصر كان مشروع الأمير سلمان للإسكان الخيري بالرياض كما وله دور كبير في خدمة كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وعمارة بيوت الله، وقد تميز سموه - حفظه الله - كرجل دولة من الطراز الأول لما له من جهود وعطاءات متميزة في كافة المجالات مشهود له بها محليا وعالميا فقد حصل سموه على العديد من الاوسمة وشهادات الدكتوراه الفخرية من العديد من الجامعات السعودية والدولية تقديرا لسموه. وفق الله سموه الكريم لما فيه خير هذه البلاد الطاهرة وشعبها السعودي النبيل وحكومته الرشيدة وسدد على طريق الخير خطاه ليكمل مشواره في خدمة دينه ومليكه ووطنه وأمته وحفظ الله قائدنا ومليكنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد مقرن بن عبدالعزيز وأمد في أعمارهم وخلد ملكهم وحرس الله بلادنا ومقدساتنا وشعبها الكريم من كل سوء وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن انه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.