انتهت في أيار (مايو) الماضي أحدث معركة، في سياق ملحمة براءات الاختراع المستمرة بين «آبل» و»سامسونغ، بعد أن طالت لمدّة ثلاث سنوات. وبعكس المحاكمة السابقة بين الشركتين العملاقتين في مجال التكنولوجيا -حول المظهر الخارجي الشامل لهواتفهما الذكية- ركّزت هذه القضية على البرنامج الذاتي الإنجاز، الذي يقوم على النقر من موقع البحث، واستعمال اللوحة المنزلقة لفتح الهاتف. وعلى الرغم من الطبيعة التقنية لهذه الابتكارات، علّمتنا هذه القضيّة عدداً من الدروس الإدارية الواسعة النطاق. غالباً ما ينظر المديرون إلى المحاكمة حول براءة الاختراع على أنها إستراتيجية ضيقة الأفق، تقضي بحماية تكنولوجيا محددّة من طرف متعدٍّ محدّد، لكنّ المعركة بين «آبل» و»سامسونغ»، تشير إلى أن المحاكمة حول براءة الاختراع قد تعتمد إستراتيجية أوسع نطاقاً وأكثر نفوذاً بكثير، مع ضرورة الإشارة إلى عنصرين يستحق الالتفات إليهما في القضية. ويتمثّل العنصر الأول في الأثر التسويقي لمحاكمة حول الملكية الفكرية، وكانت أبرز العناوين الإخبارية خلال أسابيع المحاكمة الأولى تأتي على الشكل التالي: «آبل تتّهم «سامسونغ» بنسخ «آيفون». وقد تصدّرت قضيّة براءة الاختراع أولى صفحات الصحف في أرجاء الكرة الأرضية، وكرّست القنوات الإخبارية الدوليّة بضع دقائق من وقت الذروة لديها لتغطية القضية. كم سيكلّف إجراء تغطية إعلامية مماثلة باعتماد حملة إعلانية تقليدية؟ قد تزيد المبالغ بكثير عن المدفوعات القانونية المتوجبة على «آبل». ويمكن استنباط درس ثانٍ من هذه القضية، وهو أنّ محاكمة أحد المنافسين حول مسألة براءات الاختراع قد تؤثر بشدة في استراتيجية براءات الاختراع التي يعتمدها منافسون آخرون. ونرى في هذا السياق أن العنصر الأكثر إثارة في حرب براءات الاختراع بين «آبل» و»سامسونغ» هو أن الحرب التكنولوجية الحاصلة فعليّاً ليست بين «آبل» و»سامسونغ»، إذ إنّ العدو الحقيقي لمجموعة «آبل» هو «غوغل»، التي تدير نظام تشغيل «أندرويد» الذي أنتجته على هواتف «سامسونغ». وبالتالي، لماذا لم تُقدِم «آبل» على محاكمة «غوغل»؟ يكمن الجواب في نموذج الأعمال الذي اعتمدته «غوغل»، إذ إنّ نظام «أندرويد» مفتوح المصدر، بمعنى أن الشركات المنتجة للأجهزة الإلكترونيّة لا تدفع ثمن هذا الأخير. ويُعتبر إقناع عضو من هيئة المحلّفين بإرغام «سامسونغ» على التخلّي عن بعض عائدات الهواتف لديها، أسهل بكثير من إقناعها بإدانة شركة توزّع البرنامج الذي تنتجه مجاناً. لكنّ استقدام «سامسونغ» إلى المحكمة يؤثر أيضاً في «غوغل»، فهو يجعل الشركات الأخرى المنتجة للأجهزة الإلكترونيّة أكثر تقاعساً حيال استعمال نظام «أندرويد»، بعد أن ترى أن «آبل» تقاضي «سامسونغ». وثانياً، يسمح الأمر لمجموعة «غوغل» بمعرفة قيمة براءات اختراع «آبل». وبالتالي، من الضروري أن تتعلم الشركات ما هي قيمة براءات اختراعها المتبادلة لحل الخلافات، وقرارات المحكمة هي طريقة نافذة للقيام بذلك. تُظهر الحرب بين «آبل» و»سامسونغ» كيف أن تأثيرات محاكمة حول براءات الاختراع تتعدى بكثير منع شركة محدّدة من نسخ تكنولوجيا معيّنة. ومن خلال تفكير المديرين في إستراتيجية براءات اختراع خاصّة بهم، واستجابتهم للمحاكمة، من شأنهم أن يستفيدوا من التفكير الأوسع نطاقاً في حروب براءات الاختراع.