رحل العم عبدالله بن محمد الناصر التويجري (راعي رحيمة) عن هذه الدنيا، التي مهما طال عمر الإنسان فيها فلا بد أن يرحل. رحل إلى رب كريم، رحل وقلبه معلق بالمساجد؛ فحتى في أيام كربته واشتداد مرضه كان يردد (هل أذن؟). نحسبه والله حسيبه من أهل الخير. لقد ودَّع الدنيا بعد أن شرب من كدرها وصفوها.. عاش طفولته في بلدته المجمعة وهو يكد ويتعب، يسقي ويروي ويعزق، ويقوم بمهن الفلاحة كافة رغم صغر سنه.. وهذه حال أقرانه في ذلك الزمان. يأكل التمر والشعير، وينام على التبن والحصير، يتصبب العرق منه أيام الصيف، وتصطك فرائصه أيام الشتاء، فلا مراوح أو مكيفات في الصيف، ولا لباس يقي شدة البرد. لم يستسلم لهذه الحال، خاصة أنها لا تعطي مردوداً يفي بالأكل والشرب، فكيف بغيرها من متطلبات الحياة رغم بساطتها؟ لذلك قرر المغامرة بترك بلدته بحثاً عن الرزق رغم ممانعة والده خوفاً عليه، لكن إصراره جعل والده يرضى ولو على مضض. رحل للأحساء بلد التمور والخير لوجود بعض أقاربه هناك، لكنه لم يمكث فترة طويلة؛ إذ أغرته أخبار أقرانه ممن التحقوا بشركة الزيت في الظهران؛ فتوجه لهم، والتحق بالعمل هناك، وكانت الظروف قاسية، لكنها لم تكن كقساوة الفلاحة. ومع الصبر والتحمل والتأقلم على الوضع الموجود سارت الأمور، ثم بدأت الأحوال تتحسن مع تحسن وضع الشركة، وبدأت الأحوال المادية والمعيشية تتوافر، ثم تطور الوضع للأحوال السكنية والصحية، ونال هؤلاء العمال من الخير والرفاهية ما أنساهم سنواتهم الأولى في الشركة؛ فسكنوا الشقق والفلل، وأكلوا من خيرات الله، وناموا على المراتب والسرائر، ونالوا من الرعاية الصحية الشيء الكثير. لقد كان - رحمه الله - جاداً في عمله، حريصاً على الإتقان، متواضعاً، شهد له بذلك رؤساؤه ومرؤوسيه. لقد أمضى فترة طويلة يعمل في مصفاة رأس تنورة، ويسكن مدينة رحيمة، وكان بيته مفتوحاً للقادمين يوم لم تكن هناك شقق مفروشة أو مطاعم متوافرة. وبعد إحالته إلى التقاعد (المعاش) سكن مع عائلته الدمام، وكثر ارتباطه بمعارفه وأصدقائه وزياراته لأفراد أسرته، وكان يحرص على ألا يترك أحداً من أسرته في الرياض والمجمعة إلا ويسأل عن حاله، ويذهب لهم جميعاً في منازلهم رغم تفرقها وصعوبة التنقل بينها، رغم كبر سنه. لقد صلى عليه - رحمه الله - وحضر جنازته الكثير من أقربائه ومعارفه في الرياض والمجمعة والدمام، وامتلأت ساحة المقبرة بهم، مما يبشِّر بالخير. وتوافد خلق كثير ممن نعرفهم ولا نعرفهم لتقديم العزاء لأبنائه في الدمام، خاصة من سكان رحيمة القدماء الذين قدموا وهم يترحمون عليه، ويذكرونه بكل خير. ومن شاهد المعزين وهم يفدون زرافات ووحداناً، وبأعداد لا تحصى، يحمد الله على ذلك، وقال هذا شاهد آخر على حب الناس لهذا الرجل. اللهم اغفر له وارحمه، واجمعنا به في جنان النعيم، وألهم أهله وذويه وكل محبيه الصبر والسلوان. إنك سميع مجيب.