أيها الكبير الراحل، ويا أيها الراحل الكبير, أبا محمد يوم تُعد المناقب كيف لي أن أعد مناقبك؟ عرفتك كريماً وفياً صادقاً نزيهاً متواضعاً، عرفتك وزيراً بل وزراء تعمل بكل صدق وضمير حي يراقب الله قبل أن يراقب عبيد الله. أيها الراحل الخطب.. ويا فداحة الأمر، لولا ما نملكه من إيمان بقضاء الله وقدره وتصديق بأن كل من عليها فانٍ ما أوفيناك غزير الدمع وشهقات الصدر وزفرات القلب. رحل الرجل الذي عرفته في مواقف أخوة صادقة وفية لكل من عرفهم وربطه بهم أي نوع من أنواع العلاقة,عرفته وأنا الشاب وهو الرجل الكبير مقاماً وسناً فكان كلما زرته في منزله مساء الخميس يصر إلا أن يودعني خارج باب منزله, ومجلسه ما زال غاصا بالزوار من كبار مسؤولي الدولة والساسة والأدباء والوجهاء. رجل أدب وتاريخ وثقافة وسياسة وحنكة فريدة جعلت منه وزراء لا وزير ومسؤوليات لا مسؤولية، فما كان من قادة هذه البلاد إلا التمسك به في أكثر من موقع مسؤولية, بل إن المسؤوليات غير المعروفة أكثر بكثير من تلك المناصب المشهورة المعلومة. إن كان التاريخ يسجل للرجال مواقف عُرفوا بها, فأنى له أن يحيط بتاريخ هذه القامة الكبيرة الرفيعة, لقد رحل ولم يستجب لتسجيل سيرته الذاتية المخفية عن الناس, رحل بتاريخ ناصع البياض,وسيرة عطرة, فما كان لنا الإحاطة بأسرار هذه الشخصية الغاية في الجزالة العلمية والأدبية، والنظرة السياسية العميقة التي تعلمها في مدارس ملكية متكررة. كان - رحمه الله - يعمل بهدوء عجيب،لا يميل الى الضوضاء ولا يحب فلاشات الإعلام، ولا يحبذ الشهرة مهما كانت مستحقة، أتذكر إنني قدمت له كتابي (الملك فهد والقضايا الخارجية) آملاً منه مراجعته والتقديم له، فكان أن استجاب فوراً لمراجعته ولكنه اعتذر عن التقديم، فكنت أتوقع أن مراجعته ستكون مرور الكرام فقط كتطييب لخاطري, ولكنني فوجئت بعد أسبوع أو عشرة أيام تصلني مسودة الكتاب وقد راجعها سطراً سطرا بالقلم الأحمر (وما زلت محتفظاً بهذه المسودة لنفاستها عندي) كذا فليجَّل الخطبُ وليفدحِ الأمرُ فليسَ لعين لم يفضْ ماؤها عذرُ اللهم الفردوس الأعلى لعبدك الصادق النزيه عبد العزيز الخويطر, والحمد لله رب العالمين.