أعلنت هيئة السوق الماليَّة في نهاية الأسبوع الماضي وبشكل مفاجئ إعلانين متتاليين لا يفصل بينهما إلا ست دقائق فقط، الأول يتعلّق بإيداع دعاوى لدى لجنة الفصل في منازعات الأوراق الماليَّة ضد 15 شخصًا في تعاملات تمَّت على أسهم ثلاث شركات (تهامة وشمس ووفا) يشتبه أنها خالفت أنظمة ولوائح الهيئة بناءً على نتائج التحقيقات، أما الثاني فيتعلّق بوجود عدد من المعاملات التي تمَّت على سهم شركة تهامة من قبل عدد من المتعاملين التي يشتبه أنها خالفت أنظمة ولوائح الهيئة، حيث تَمَّ التَّوجيه بإجراء التحري والتحقيق بشأن هذه التعاملات. عندما ندقق في هذين الإعلانين، نجد أن هيئة السوق الماليَّة استيقظت فجأة من نومها لاتِّخاذ هذه الإجراءات، حيث إن المتابعين لتداولات السوق الماليَّة السعوديَّة في السنوات الأخيرة يعلم تمامًا بوجود تعاملات «مخالفة» وليست «مشبوهة»، كما أن هذه التعاملات «المشبوهة» لا تتركز في أسهم ثلاث شركات فقط، بل في أسهم عدد كبير من شركات المضاربة (وفرة وأمانة وبروج وغيرها الكثير)، بينما كانت هناك تناقضات مضحكة حيث تحدّث الإعلان الأول عن استكمال التحقيقات في تعاملات تمَّت في ثلاثة أسهم تضمنت سهم شركة تهامة بينما تحدث الإعلان الثاني عن تكليف الإدارات المختصة في الهيئة بالتحري والتحقيق في تعاملات تمَّت على سهم شركة تهامة!!! أما الأكثر إضحاكًا من ذلك فهو أن هيئة السوق الماليَّة (في السنوات الأخيرة على أقل تقدير) عوّدتنا على «عدم» الإعلان عن إيداع دعاوى ضد أشخاص مشتبه بهم و»عدم» الإعلان عن أسماء أسهم الشركات محل الإشتباه أو حتَّى الإعلان عن وجود تحقيقات بينما كانت تصر وبقوة على الإعلان عن الأحكام النهائية التي تصدر من هيئة الفصل في منازعات الأوراق الماليَّة فقط، ثمَّ بقدرة قادر تغيَّرت قناعات الهيئة وبسهولة تامة في إعلانيين متناقضين يتناقضان أساسًا مع سياسة الإعلان عن الدعاوى ضد الأشخاص المشتبه بهم، ومن خلال متابعتي المتواضعة لسياسات الهيئة ذات الطّبيعة المتقلبة منذ إنشائها استطيع التأكيد أنهَّم سيعودون لحالة النوم مستقبلاً راجيًا المولى عزَّ وجلَّ أن أكون مخطئًا. في الختام، يجب الإشادة بخطوة هيئة السوق الماليَّة هذه وإن شابتها بعض الأخطاء التي أراها أنها خطوة في الطريق الصحيح للحدِّ من المخالفات التي يتم ممارستها من وقت لآخر في أسهم عدد كبير من شركات المضاربة، وكل ما أتمناه أن نسمع قريبًا عن فرض عقوبات ماليَّة تتلاءم في قيمتها مع قيمة المكاسب غير المشروعة في حال ثبثت هذه المخالفات. أما إذا تَمَّ فرض عقوبات ماليَّة تقل في قيمتها كثيرًا عن قيمة المكاسب غير المشروعة فحقيقة لا أرى داعٍ لفرض مثل هذه العقوبات مع كامل الاحترام والتقدير للجميع.