اِخلقت فالدنيا وأنا ما معي شي وبَرُوح منها ما معي شي منها والبيت من أبيات لها قصة حدثت حسب ما نقل عن شاعرها عام 1395ه في بحرة قرب جدة، وموجزها أن الشاعر لامه بعض ضيوفه على تفانيه في الكرم بالرغم من قلة ذات يده، وكان وقتها يصنع لهم القهوة على النار، فأخذ يدق البهار في النجر ثم أخذه التفكر في كلامهم على سبيل الاستياء، فوضع البهار في إبريق الشاي بدلاً من الدلة، فنتبه له بعضهم وقال: وشبلاك يا البخيت عسى ما شر، أنت هوجست؟! قال نعم، ثم أنشد القصيدة التي يلخصها بيت القصيد أعلاه. وإذا كان الكرم قديماً وحديثاً يمثّل إحدى أهم القيم العربية التي مدحها الإسلام وحثّ عليها، فإنه كغيره من القيم وشؤون الحياة يزينه الاعتدال ويشوّهه التطرف سلباً أو إيجاباً، وكل ما زاد عن الحد اتسم بالتكلف إما طلباً للشهرة أو استجابة لهاجس كاذب، أخرج أحمد والحاكم عن سلمان الفارسي قال: (نهانا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم - أن نتكلف للضيف). والكرم سلوك تدفع إليه قيمة سامية، ولا علاقة له بفقر أو غنى، وإذا كان (الجود يُفقر) كما يقول المتنبي فإنه كذلك في نفوس البخلاء بنظرتهم القاصرة تجاه معنى الحياة فقط. ومبارك فايز البخيت يرد بهذا البيت على منتقديه رداً عقلياً منطقياً لأن المنطق يتجلى في مثل هذه المواقف، يقول: أتيت إلى هذه الدنيا ما معي شيء من متاعها وسأتركها كذلك، فلمَ الحرص على جمع المال وادخاره وعدم صرفه على ما ينفع في الدنيا والآخرة؟! إنه نموذج لمن تشبعت شخصياتهم بمكارم الأخلاق فأدمن الكرم حتى صار طبعاً ثابتاً في نفسه، وخلقاً ملازماً لهواه، واللوم عليه يؤذي مشاعره، ولا عجب فهو من النوع الذي (كأنك معطيه الذي أنت سائله) النوع يفرح بالإعطاء أكثر مما يفرح السائل بالعطاء.