تبذل دول العالم المتقدمة جهودا كبيرة وتنفق أموالا طائلة وتكون فرق عمل منتخبة لصناعة صورة إعلامية ذكية لا تعتمد على المديح ولا على الإشادة ولا على تعداد المناقب والفضائل وسرد البطولات والأمجاد؛ بل تتكئ بطريقة ذكية وغير مباشرة على تقديم المنجز المبهر في أي جانب من جوانب الإبداع ليتحدث عن نفسه! هذا ما نشهده في الأعمال والمناسبات الثقافية الدولية لصناع حضارة اليوم؛ ففي المعارض الصناعية أو الثقافية الأمريكية أو اليابانية على سبيل المثال؛ يتحدث العقل البشري الموهوب كما ينطق المنجز المبتكر صناعياً أو ثقافياً عن نفسه، وهكذا تتكون الصورة الذهنية الإيجابية عن الشعوب والحضارات المتقدمة. إن مهمة وزارة الثقافة المأمولة المفقودة الموجودة الآن بنصف اسم ونصف عمل تكمن في ثلاثة أبعاد: الأول: كشف القيم الخلقية النبيلة العظيمة في إرثنا الديني والأدبي. الثاني: إظهار جوانب التميز والتسامح والإنسانية في إسهامات مفكرينا وأدبائنا، وتقديمها للعالم بلغات مختلفة. الثالث: تصحيح الصورة الإعلامية المشوهة التي تكونت لدى كثيرين بتأثير وسائل إعلامية إما أنها تنطوي على موقف محتقن مسبق من العرب والمسلمين بعامة أو من بلادنا خاصة، أو أن المعلومة وصلت إليها ناقصة أو محرفة وغير حقيقة. ولقد ساعد على تكون الصورة الخاطئة ما حدث ولا زال يحدث من حماقات ترتكبها التيارات الأيدلوجية المتطرفة باتجاهاتها المختلفة، وتقدم من خلال ما ترتكبه من جرائم تصورا مشوها عن الإسلام والمسلمين والعرب وعن بلادنا من خلال تلك الجرائم المرعبة؛ من قطع رؤؤس وطبخها وتعليقها والتزين بها وتشويهها ومضغ أكباد وتصوير ذلك كله للناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي! تلك الجرائم تسهم في ترسيخ الصورة البشعة عنا ظلما ومجانبة للحقيقة ولما نؤمن به وما نحن عليه من قيم الخير والمحبة والتسامح والتواصل مع الحضارات الإنسانية بدون نوايا سيئة مبيتة مبنية على الكراهية أو العداء. إن تطهير العقول البشرية التي تصلها تلك التصورات الخاطئة يستوجب عملا إعلاميا وثقافيا مضنيا، تنهض به عقول مخلصة ذات كفاءة مهنية عالية، لا تؤمن بمنطق الوظيفة أو التكليف أو المكاسب الشخصية قدر إيمانها بالرسالة الوطنية والدينية التي تتحملها وتحرص على أدائها بتفوق وتميز وإقناع. هذا الجهاز الثقافي الكسيح الموجود الآن بإمكاناته المتواضعة وبكفاءاته المحدودة لن يستطيع حتما أداء ما نحلم وما نتمنى أن يضطلع به من مسئوليات وطنية عظيمة ! وإذا كنا نلوم العالم البعيد عنا على جهله بنا؛ فإنه لا يحسن بنا أن نذهب بعيدا فلا نأسى على جهل أبنائنا بنا؛ أبناؤنا الذين يستظلون سماءنا ويشربون ماءنا ويستنشقون هواءنا! لقد حاورت كثيرين من طلاب الجامعات في المستويات المتقدمة، وسألتهم عن أعلام من أدبائنا، وعن مؤلفات وكتب شهيرة؛ فلم يجب إلا واحد من مائة ! إنه جهل عام لا جهلا خاصا؛ فهم أيضا لا يعنون تجاهل أدبنا ازدراء له؛ بل إنهم يجهلون عن أدباء العرب أكثر مما يجهلون عن أدبنا وثقافتنا؛ فليس طه حسين بأقل حظا من حمد الجاسر، ولا عبد الله بن خميس بأقل من عباس العقاد، ولا مصطفى الرافعي بأقل من عزيز ضياء! إنه جهل ورثه ضعف الإعلام ويتم الثقافة وتغليب اللهو على الجد، وإعلاء شأن المساخر على المفاخر؛ فتساوى الجهل بالقديم مع الحديث، وتعادل نكران التليد مع الطريف! إذا كان هذا حال أبنائنا الأقربين؛ فكيف بالأبعدين؟! لقد قدم الجهلاء والحمقى والمتوترون والموتورون أقبح صورة عنا للعالم؛ وأسهمنا نحن في تغييب الصورة الحقيقية عن الأقارب المحيطين بنا من أبناء يعرب، كما ضربنا صفحا عن مخاطبة الأباعد من الغربيين وغيرهم؛ فكيف نطمح إلى أن يفهمنا القريب أو البعيد؟! متى ننفق على الثقافة عشر ما ننفق على الرياضة؟! متى نشعر أن الأهداف الثقافية والرياضية تبعث على الانتشاء والفخر على حد سواء؟!