لم يكن أخي الأكبر الشيخ (منصور بن عبد العزيز بن ناصر الرشيد) شخصاً يمكن أن يعبر الذاكرة ويتجاوزه الزمن فيتم نسيانه بسهولة، فجانب واحداً من جوانب شخصيته المحببة، وهو الخلق الفاضل، يستوقفنا كثيراً لامتيازه - يرحمه الله - بطيب المعشر ونقاء السريرة، فقد كان حلو الحديث، ينتقي ألفاظه بعناية فلا يجرح المشاعر ولا يحرج أحداً، فلا تكاد تسمع منه إلاّ الكلمة الطيبة والعبارة الرقيقة والثناء الحسن حتى على من يسيء إليه، ذلك أنّ قلبه الطيب لم يكن يحمل الضغينة أو الحقد أو الكره لأحد، فتلك سجيّته التي أودعها الخالق فيه، وحين ينتقد أحد الحضور في مجلسه شخصاً غائباً يبادر إلى ذكر فضائل ذلك الشخص مما يغطي ما ذكر فيه من نقائص، ولم تكن تلك السجيّة عارضة بل طبع أصيل جبل عليه - رحمه الله - فألف حوله قلوباً محبة. وكان - يرحمه الله - موسوعة في الأدب والتاريخ وله في هذا مؤلّف ضخم عن قضاة نجد، كما قام بتحقيق العديد من المؤلّفات، وساهم في نشر الكثير من الكتب عن طريق (دار الرشيد)، وكان يمتاز بالحفظ، وله طريقة مميزة في الإلقاء، ولديه إحاطة بجوانب من العلم الشرعي، حيث نهل من معين والده فضيلة الشيخ العلاّمة - عبد العزيز بن ناصر الرشيد - رحمهما الله -. وفي يوم السبت السادس والعشرين من جمادى الآخرة لعام 1435ه، توقف هذا القلب النابض بالحب إلى الأبد ليخلف في قلوب محبيه حسرة كبيرة وألماً شديداً، فسالت الدموع والعبرات تبكي طيبة تمثّلت في شخص ومثالية تمثّلت في رجل. ولأولاده وبناته البررة أقول لقد ضربتم أروع الأمثلة في البر بوالدكم - رحمه الله -، من خلال العناية به وملازمته حين أقعده المرض في السنوات الأخيرة، وكنتم مثالاً يحتذى به وخاصة بنيته التي لازمته بشكل متصل ومتواصل بالتعاون مع بقية أولاده وبناته، فجزاكم الله خير الجزاء، وأثابكم ورفع درجاتكم نظير تنافسكم على الصلة بوالدكم، وجبر مصابنا ومصابكم بفقده. اللهم إنّ هذا عبدك وابن عبدك، كان يشهد أنه لا إله إلاّ أنت سبحانك، وأنّ محمداً صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك، اللهم إنه نزل بك، وأنت خير منزول به، وأصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، فاللهم إنْ كان محسناً فزده إحساناً، وإنْ كان مسيئاً فتجاوز عنه، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدّنس، وأنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، اللهم آمين.