عندما قامت الدولة السعودية الأولى وقيض الله لهذه المنطقة ظهور الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله- في أوائل القرن الثامن عشر الميلادية، لم تكن منطقة نجد خاصة والجزيرة العربية عامة تحظى بأي اهتمام أو خدمات أو أي إنجازات على أرض الواقع كغيرها من المناطق التي تحت سيطرة الدولة العثمانية في ذلك الوقت، بل أُهملت إهمالاً كاملاً، واكتفت الدولة العثمانية بالمناطق التي تسيطر عليها والإشراف على الحرمين الشريفين والطرق المؤدية إليهما في ذلك الوقت. وعندما استتب الأمن في منطقة نجد على يد الإمامين، وضع الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- مؤسس الدولة السعودية الأولى اللبنات الأساسية لبناء مجتمع مدني آمن ومستقر، حيث سار على نهجه أبناؤه وأحفاده من بعده، حيث تحققت الأهداف السامية المبنية على أسس ومنهج إسلامي صحيح وليست أهدافها الاصطدام بالدولة العثمانية، بل لتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء لأبناء منطقة نجد والجزيرة العربية في ذلك الوقت. من هنا استشعرت الدولة العثمانية وأخذت تنظر لهذه الدولة الفتية وتراقب من خلال التقارير المضللة التي تصل إليها من الولاة في العراق ومصر ومنطقة الحجاز، وأصبحت كلمة الوهابية تتصدر جميع المكاتبات وهو موضوع مقالنا، إذ لو نظرنا إلى واقع الوثائق العثمانية من جميع مصادرها الرسمية في الأرشيف العثماني يؤكد لنا ذلك الأستاذ ركريا كورشن في كتابه النسخة العربية (الدولة العثمانية وآل سعود في الأرشيف العثماني)، بأنه لا ينقل وجهة نظره بل يستند في كتابه هذا في ذكر المسميات وإطلاق لفظ الوهابية كمذهب وحركة دينية جديدة من الوثائق العثمانية المرسلة من الولاة إلى الباب العالي، وأصبحت الوهابية شعاراً دينياً يتناقله الناس، من هذا المنطلق بدأ الرحالة والمستشرقون بدراسة أوضاع المنطقة جغرافياً واجتماعياً وأمنياً، سواء أتى هؤلاء الرحالة بمهمات رسمية من قبل حكوماتهم بتحقيق أهدافهم أو بإشراف ومتابعة من الولاة العثمانيين بتزويد الرحالة بالمعلومات المضللة عن حركة محمد بن عبدالوهاب في ذلك الوقت. ونحن يجب أن ندرك جهل الرحالة والمستشرقين بالدين الإسلامي وعدم معرفتهم الكاملة كمعتقد ومنهج حياة. ومن خلال شعار لفظ الوهابية انجرف الرحالة والمستشرقون بإطلاق اسم الوهابية في وثائقهم وعناوين كتبهم حتى يكسبوا رضا ولاة الدولة العثمانيين في تسهيل مهماتهم في الجزيرة العربية وتأخذ الصفة الرسمية بذلك. ومن هؤلاء الرحالة اندروكرايتون في عنوان كتابه: (تاريخ الوهابيين وحياة العرب الاجتماعية) ترجمة د. عبدالله العثيمين إصدار دارة الملك عبدالعزيز، وكتاب الرحالة الدنماركي باركلي دونكيير في كتابه (عبر الأراضي الوهابية على ظهر جمل) ترجمة الأستاذ منصور الخريجي. والأمثلة كثيرة عن هؤلاء الرحالة والمستشرقين الذين خدموا أنفسهم وأصبحوا رمزاً لدى حكوماتهم في ذلك الوقت مما أثروا مكتباتهم بالوثائق والكتب عن تاريخ نجد والجزيرة العربية المعاصرة، مما يدفعنا كباحثين ومهتمين بتاريخ المنطقة ألا نغفل عن الجهد الكبير الذي قام به هؤلاء الرحالة والمستشرقون، حيث رسموا وأعطوا الصورة الكاملة عن أوضاع المنطقة وفق أهدافهم وأفكارهم وخططهم والمهمات التي أوكلت إليهم. من هنا يأتي دور الباحثين والمؤرخين بدراسة ومراجعة والتحقيق بتلك الكتب والوثائق من منظور يخدم القارئ والباحث على أسس علمية صحيحة تخدم المنطقة كأثر تاريخي.