أصيبت أمريكا والغرب بالذهول بعد أن أحبط الجيش المصري المؤامرة المدبرة على مصر والعالم العربي كله بوصول جماعة الإخوان لسدة الحكم في مصر ثم في بقية أقطار الوطن العربي؛ لتكون البديل المناسب المتوائم مع المشروع الأمريكي الغربي لإعادة رسم الجغرافية السياسية للمنطقة بالتوازن والتكافؤ مع المشروع الفارسي والإسرائيلي للهيمنة على المنطقة العربية في ظل خطاب سياسي إسلاموي منسجم مع الفرس واليهود والغرب. لقد أفشل الجيش المصري الباسل بثورة 30 يونيو 2013م هذا المخطط وقضى على أحلام الجماعة وتنسيقها المستمر مع أمريكا لإحداث ما أسمته كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «الفوضى الخلاقة» وأفشل طروحات أكاديميات التغيير واجتماعات منظريها الحالمين الواهمين المتنقلين بترتيب الاستخبارات الأمريكية والتركية والقطرية من أمريكا إلى صربيا إلى بروكسل إلى استانبول إلى جنوب إفريقيا إلى الدوحة إلى الخرطوم وغيرها! لقد أفشل الجيش المصري أحلام الجماعة بتنظيمها القطري والدولي وأعاد خيار المستقبل للشعب المصري نفسه ليبدأ مرحلة ديموقراطية جديدة تتشكل في ثلاث مراحل حاسمة: الدستور، انتخابات الرئاسة، انتخابات مجلس الشعب. ومن أهم بنود الدستور الجديد التأكيد على منع وحظر قيام أي حزب سياسي على أساس ديني؛ ليقطع الطريق على جماعة الإخوان المسلمين التي تحايلت سابقا على هذه المادة الموجودة في الدستور القديم ودخلت الانتخابات بمرشحيها تحت اسم حزب الحرية والعدالة؛ على الرغم من أن المرشحين الاثنين الأساسي محمد خيرت الشاطر والبديل محمد مرسي من أعضاء مكتب إرشاد الجماعة. وقد ساعد على اتخاذ قرار الجماعة تنظيماً إرهابياً تطورات الأحداث في مصر مقترنة بتاريخ الجماعة؛ إذ سالت أول قطرة دم بدوافع سياسية على يد أحد أعضاء الجماعة حينما اغتال أحد أفرادها رئيس وزراء مصر أحمد ماهر باشا عام 1945م ثم اغتالت الجماعة رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي عام 1948م ثم اغتال أحد أفراد التنظيم الخاص في الجماعة القاضي أحمد الخازندار الذي أصدر أحكاما ضد عدد من المنتمين إلى الجماعة، وهكذا يستمر المسلسل الدموي منذ ذلك التاريخ البعيد إلى الآن؛ أي قبل ما يقرب من ستة وثمانين عاما والجماعة تفرخ ويتخرج في مدرستها الفكرية وتنظيمها السري أطياف متعددة من الجماعات المنشقة والثائرة على براجماتية الجماعة الأم نفسها؛ كما فعلت الجماعة الإسلامية أو الجهاد وغيرها، وهي في الأساس ثمرة من الثمار المرة لاجتهادات وتحريض وقراءة منظري الفكر الإخواني لمفهومات الاستخلاف والحاكمية والجاهلية والطليعة الإسلامية وما إلى ذلك من رؤى وتنظيرات تدفع بالشبان الذين تشحنهم تلك المصطلحات القطبية التي ينحتها سيد قطب نحتاً في كتبه لتصبح أشبه بالمانفستو أو البيان الإسلامي الجاهز للثورة في أي مكان أو زمان بما يمنح غير سيد قطب أيضاً ممن أتى بعده أبعاداً جديدة لتعميق تلك المصطلحات لتخرج من إهابها الأول الفكري في «معالم في الطريق» و»في ظلال القرآن» لتغدو من بعد تحريضاً على العنف والثورة عند محمد عبد السلام فرج في كتابه «الجهاد: الفريضة الغائبة» أو عند صلاح الصاوي في كتابه «الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر» وليذهب ضحية التحريض والتأليب كل من اختلف مع الجماعة في رؤيتها أو أهدافها؛ كما حدث لفرج فودة أو نجيب محفوظ أو رفعت المحجوب وغيرهم. ولم تكن جماعة الإخوان تعترف بأنها تقيم أية صلات فكرية أو تنظيمية مع جماعات العنف المسلح بأطيافها ومسمياتها المختلفة؛ لكنها حين شعرت بالخطر بعد اقتراب فض اعتصام رابعة العدوية لوح عصام العريان أحد قادتها بأن في إمكانه أن يوقف العنف الدموي في لحظة واحدة من الجماعات المسلحة في سيناء باتصال واحد! اتخذت الحكومة المصرية قرار تصنيف الجماعة بأنها «تنظيم إرهابي» في 26 ديسمبر 2013م بعد التفجير الانتحاري الذي استهدف مديرية أمن الدقهلية، وعلى الفور استنكرت الخارجية الأمريكية هذا الحكم الذي أفشل خطتها البعيدة المنسقة مع الجماعة!... يتبع.