هكذا عوَّدنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تفكيره يسبق تفكيرنا، هواجسه وخوفه علينا أكثر من خوفنا على أنفسنا، يخطط لما هو آتٍ؛ فلا يتركنا للمجهول؛ فتأتي خطواته من حين لآخر لتلامس الوجدان، وتتلاقى مع مصلحة مواطنيه، حتى أن أكثرها يكون مفاجئاً ساراً قبل أن يأتي الزمن المتوقع لانتظاره. * * * هو هكذا، ملك استثنائي وتاريخي، يعرف مسؤوليات الزعامة والقيادة والأمانة التي يحملها، والأعباء الجسام التي عليه أن يقوم بها، في ظل ظروف ومستجدات محلية وإقليمية ودولية غاية في الأهمية، بل الخطورة؛ لهذا فهو لا يتوانى عن مواجهة التحديات بالمواقف والقرارات الفاعلة والمؤثرة بحسب ما تتطلبه مصلحة شعبه ووطنه. * * * لا أحد منا يفكر في مستقبل الوطن بمثل ما يفكر فيه الرجل الحكيم عبدالله بن عبدالعزيز، ولا أحد منا شغله ما ينبغي أن يكون عليه هذا الوطن في المستقبل البعيد كما هو حال هذا الملك الصالح، فقد أدرك ببُعد نظره وسلامة تفكيره أن الأعمار بيد الله، وأن طمأنة الشعب بمستقبل البلاد واجبة بل مسؤولية؛ فكان أن اختار مقرن بن عبدالعزيز ليكون الرجل الثالث في تسلسل الحكم بأمره الملكي أن يكون وليًّا لوليّ العهد، وفيما بعد وليًّا للعهد في حال خلو ولاية العهد، وملكاً في حال خلو منصبَيْ الملك وولي العهد. * * * ولا جدال بأن قيادة الملك عبدالله هي صمام أمان لهذه الدولة، وأنه لا خوف على الوطن والمواطن -إن شاء الله- بوجوده على رأس هرم الدولة مدعوماً ومؤيَّداً من أخيه ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز. ومع هذا فإن المصلحة اقتضت أن يتم اختيار الأمير مقرن ليكون في هذا الموقع المهم لاستثمار خبرته وطاقته في تفعيل ما يمكن تسميته «وضع الرجل المناسب في المكان المناسب» بدولة المؤسسات من جهة، وضمان عدم وجود فراغ دستوري في المستقبل من جهة أخرى. * * * لقد تميَّز الأمر الملكي الحصيف بتعيين مقرن بن عبدالعزيز في منصبه الجديد بمجموعة من الإشارات المهمة التي لا تكتفي بملامستها لما نحن عليه الآن، وتفاعلها مع ما أصبح معروفاً لنا جميعاً، وإنما تنظر إلى المستقبل وما يمكن أن تكون عليه المملكة في ظل المتغيرات والتطورات على مستوى المنطقة والعالم، وهذا يُحسب للملك عبدالله الذي أراد أن يزيل الجدل والخوف والتخرصات حول ما سيؤول إليه الحكم بعد الملك وولي عهده -حفظهما الله - مبدداً هذا الخوف بهذا القرار الذي اتسم بالشفافية والوضوح حين اعتمد الأمر الملكي على تأييد ولي العهد وموافقة أعضاء هيئة البيعة بأغلبية تجاوزت ثلاثة أرباع مجموع الأعضاء. * * * وضمن هذه الإشارات فقد نص الأمر الملكي - وهذا يعطيه قيمة إضافية - على أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديل هذا الأمر الملكي أو تبديله بأي صورة كانت ومن أي شخص كائناً من كان، وهو ما يعني الالتزام باختيار الملك عبدالله وتأييد ولي عهده الأمير سلمان وموافقة أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء هيئة البيئة للأمير مقرن ليكون في منصبه الحالي، وبأن يكون ولياً للعهد في حال خلو منصب ولاية العهد أو ملكاً عند خلو منصبَيْ الملك وولاية العهد. أي أن الأمر الملكي أفصح من الآن عن أن الأمير مقرن هو ولي العهد القادم، وهو الملك القادم أيضاً، بحيث لم يعد هناك مجال لأي تكهنات أو تأويلات أو تخوف من حدوث أي فراغ دستوري في ظل صدور هذا القرار الحكيم. * * * إن اختيار الأمير مقرن بما يتمتع به من جدية وإخلاص وكفاءة في العمل، ومن خبرات طويلة ومتنوعة، ومن تأهيل علمي وثقافة عالية، إنما يضيف لنظام الحكم في المملكة قيمة كبيرة باختيار الأكفاء من الأسرة الحاكمة لتولي مثل هذه المسؤوليات الكبيرة؛ إذ يمثل مقرن بن عبدالعزيز أحد الكفاءات الكثيرة بين الأمراء المؤهلين؛ ما يعني أن خادم الحرمين الشريفين - وبتأييد من ولي عهده الأمين وأعضاء هيئة البيعة - قد وُفِّق في اختيار التوقيت المناسب والرجل المناسب ومن ثم الإعلان والإفصاح عن هذا القرار المهم. * * * كل التوفيق لسمو الأمير مقرن، ومزيداً من النجاح والتميز في مسؤولياته الجديدة، ودعواتنا بأن يتحقق على يديه وبجهده ما هو مؤمل فيه، فالثقة به لا حدود لها، وهو خير من يترجم تطلعات المليك وولي العهد وأعضاء هيئة البيعة والمواطنين إلى إنجازات يخدم بها وطنه ومواطنيه.