في البداية، أشكر لجريدة الجزيرة إتاحة الفرصة في نشر ما نكتبه، وإيجاد مساحة للآراء المختلفة، و هو دليل وعي القائمين عليها. وقد قرأت رد الدكتور عبدالعزيز السماري على ردي عليه في مسألة حليب الإبل وإنكاره للحديث الوارد في ذلك، وقد استغربت من أسلوبه وتهجمه علي في رده؛ حيث اتهمني بأنني أعيش في بيئة متطرفة ولا أدري ما مقصوده بذلك، ولو اطّلع على بحوثي و ردودي العلمية لعلم أني من أبعد الناس عن هذا الوصف المشين، وبالتالي: كيف يتجرأ على وصف أخيه بهذا؟ مع أني كنت مؤدباً في ردي عليه، وكنت أبحث له عن عذر، ولكن حسابه عند ربه والله المستعان. ثم أني أتعجب من الدكتور لماذا لا يحترم التخصص؟ ولماذا أصبح العلم الشرعي في نظر كثير من الكتّاب كلأً مباحاً للكل، مع أنّنا نجد أن هؤلاء الكتّاب لا يتكلمون في الطب وغيره كما يتكلمون في علوم الشريعة ! وكان الواجب على الكاتب وفقه الله ألا يخوض فيما لا يحسنه، وأن يترك الكلام فيه لأهل العلم، ولذلك نجد أنه لم يفهم كلام العلماء في المسائل التي ذكر، وحاول - كما هي العادة عند بعض الكتّاب- تلفيق كلام العلماء، والأخذ منه ما يوافق الهواء؟! وأما مسألة حجية خبر الآحاد والتي أراد أن يحتج بها على عدم الأخذ بحديث الشرب من ألبان الإبل وأبوالها مع ثبوته وصحته، فهو دليل جهل الكاتب، وفقه الله في هذه المسألة العظيمة؟! ولا أدري كيف تجاسر على خوض غمارها، والحديث عنها من غير تحرير وفهم لها؟ ولذلك فقط خلط فيها خلطاً عجيباً، وهذا ليس بغريب فقد قيل :»من تكلم بغير فنه أتى بالعجائب». وهذه المسألة أحد الأصول الكبار التي ميزت أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الطوائف، ألا وهو حجية خبر الآحاد في العقيدة. وإن القول بأن خبر الآحاد إذا صح وتُلُقي بالقبول يفيد العلم، ويُحتَجُّ به في باب الاعتقاد، كما يحتج به في باب الأحكام هو الذي عليه جماهير السلف رحمهم الله تعالى وجماهير الأئمة، وقد أُلّفتْ في هذا الموضوع رسائل مطبوعة يحسن الرجوع إليها، فللشيخ الألباني رسالة سماها: ((وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة والردّ على شبه المخالفين))، وللدكتور عمر الأشقر رسالة سماها: ((أصل الاعتقاد))، وللشيخ سليم الهلالي أيضاً كتاب اسمه: ((الأدلة والشواهد في حجية خبر الواحد))، وللشيخ ابن جبرين حفظه الله تعالى رسالة في حجية خبر الواحد. فقول كثير من الأئمة: إن الأحاديث الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول، أي لم ينتقدها العلماء الجهابذة، تفيد العلم ويحتج بها في العقيدة والأحكام الفقهية. فكيف يأتي السماري ليعكس الأمر ويجعل قول الجمهور أنها لا تفيد العلم, ثم يجعل القول بأنها تفيد العلم ويحتج بها في العقيدة قولاً ضعيفاً هزيلاً! وللفائدة فإني أقول: الخلاف في هذه المسألة التي معنا هي كما يلي: أ- جماهير الأئمة أن خبر الآحاد يفيد العلم, ويحتج به في باب العقيدة والفقه، وعلى هذا انعقد إجماع الصحابة، ويكاد أن يكون إجماعاً للتابعين رحمهم الله تعالى، حيث لا يكاد يكون لهم مخالف يقولون: إنها تفيد العلم، ومن ثم يُحتجُّ بها في باب العقيدة، ولهذا لم يفرقوا في رواياتهم لهذه الأحاديث، بين أحاديث العبادة وبين أحاديث العقيدة. ب- وقال بعض العلماء : يفيد الظن ويحتجُّ به في العقيدة. ج- وبعضهم قال: لا يفيد العلم ولا يحتج به في باب العقيدة، وهذا قول كثير من المتكلمين من المبتدعة من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم، مقتضى هذا القول هو سلخ لجزءٍ كبيرٍ من نصوص الشريعة، وهذا ما يسعى إليه كثير من الليبراليين، فنراهم كثيراً ما ينتقدون النصوص بمثل هذه الحجج الواهية، من أجل إضعاف النص في نفوس المسلمين، وهي كما ترى ولا شك مقالة باطلة وخطيرة. وأما كون الإبل خلقت من الشياطين واحتجاجك به على ما تقول؛ فهو أيضاً دليل تناقضك، فهذه المسألة ليس لها علاقة بشرب حليب الإبل من جهة الحرمة وعدمه، فهو يتحدث عن الحكمة من كون لحم الإبل يعتبر ناقضاً للوضوء، وكلام شيخ الإسلام الذي ذكرت لو عرفت فقهه لعلمت انه حجة عليك لا لك!! فهو يبين قوة القول بأن لحم الإبل ناقض للوضوء، وهذا القول من مفردات الحنابلة خلاف للأئمة الثلاثة ومما ذكروه في هذه المسألة أيضا هل يعتبر لبن الإبل ناقضاً للوضوء أم لا؟ فهل ترى أنهم لم يعلموا بأنها لم تخلق من الشياطين؟ كما علمت أنت! ثم انك تناقض نفسك إذ كيف ترفض دليلاً صحيحاً وهو حديث شرب لبن الإبل، وقد ورد في أصح كتب السنة، ثم تستدل بحديث لا يبلغ درجته في الصحة عند أئمة الحديث؟! ثم إن قولك بعدم جواز شرب حليب الإبل قول شاذ بل باطل، لم يقل به أحد من الأئمة، بل يلزم منه حرمة أكل لحم الإبل، فهل تقول بهذا؟ فاتق الله فيما تقول.